فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "ما يفعل بالميت عند تعذر غسله"
قد يتعذر في بعض الأحوال تغسيل الميت لسبب من الأسباب ؛ مثل أن يكون الميت قد احترق جسده ، ولو غُسِّل بالماء لتفسخ ، أو احترق حتى صار رماداً ، أو ربما كان سبب وفاته مرضاً من الأمراض المعدية كالجذام والطاعون وغيرها من الأمراض بحيث لو غُسِّل لربما انتقل المرض إلى مُغَسِّلِهِ .
وباستعراض أقوال الفقهاء وأئمة المذاهب في هذه المسألة نرى أنهم يجيزون ترك الغسل والانتقال منه إلى صب الماء من غير دلك ، فإن تعذر انتقل إلى التيمم :
🌴فالحنفية يرون :
أن من تعذَّر غسله بالماء إن كان بسبب انعدام الماء فإنه يُيَمَّم بالتراب ، كما نص على ذلك في العناية : (16/261) فقال :
مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ ؛ لِعَدَمِ مَا يُغْسَلُ بِهِ فَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيد .
وأما إن كان تعذر غسله بسبب تعذر مسه ، فإنه يصب عليه الماء صبًّا ، كما قال ذلك في مراقي الفلاح (224) :
والمنتفخ الذي تعذر مسه يصب عليه الماء .
🌴ويرى المالكية أن من تعذر غسله بالماء لانعدامه يُمِّم .
وإن كان التعذر بسبب قروح في جسده أو حروق أو جَرَبٍ أو جُدريٍّ ؛ بحيث لو غُسِّل بالماء أدى إلى تزلعه وتفسخه ، فإنه يصب عليه الماءُ صبًّا بالقدر الذي يحفظه من التفسخ والتزلع . فإن تَعذر صَبُّ الماء عليه يُمِّم .
جاء في المدونة (1/472) :
في غُسْل الميِّت المجرُوح قال : وسُئلَ مالك عن الذي تُصِيبُهُ القُرُوحُ فيَمُوتُ وقد غَمَرَت القُرُوحُ جَسَدَهُ ، وهم يَخافونَ غُسْلَهُ أنْ يَتَزَلَّعَ .
قال : يُصَبُّ عليه الماءُ صَبًّا على قَدْرِ طاقتهم .
قلت : أليس قول مالك لا يُيَمَّمُ بالصَّعيد مَيِّتٌ إلا رجلٌ مع نساءٍ أو امرأةٌ مع رجلٍ ؟
فأمَّا مجروحٌ أو أَجرَبُ أو مَجْدُورٌ أو غير ذلك ممن بهم الدَّاء ، فلا يُيَمَّمُونَ ويُغَسَّلُونَ ويُحَنَّطُونَ على قَدْرِ ما لا يَتَزَلَّعُون منه ولا يَتَفَسَّخُون ؟
قال : نعم .
وفي الشرح الكبير (4/410) :
وصب على مجروح أمكن الصَّب عليه من غير خشية تقطُّعٍ أو تزلعٍ ماءٌ من غير ذلك ؛ كمجدور ونحوه ، فيُصبُّ الماء عليه إن لم يَخَفْ تزلُّعه أو تقطُّعه ... فإن لم يُمكن بأن خيف ما ذَكَرَ يُمِّمَ .
وعليه :
فإن المالكية لا ينتقلون إلى التيمم إلا عند تعذر الغُسل مع الدلك ثم تعذر الصبِّ .
🌴أما الشافعية :
فيرون أن تعذر غسل الميت بأي سبب من الأسباب ؛ كفقد الماء أو خشية اهتراء جسد من احترق ، فإن الميت لا يغسل بل ييمم .
بل إنهم نصوا على أنه إذا خيف على الغاسل من غسل الميت ضرر فإنه يُممَّ وجوباً.
قال النووي رحمه الله :
إذا تعذر غسل الميت لفقد الماء أو احترق بحيث لو غُسِّل لتَهَرَّى، لم يُغَسَّل بل يُيَمَّم ، وهذا التيمم واجب ؛ لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة نجاسة ، فوجب الانتقال فيه عند العجز عن الماء إلى التيمم كغسل الجنابة ، ولو كان ملدوغاً بحيث لو غُسَّل لتَهَرَّى أو خيف على الغاسل يُمِّم لما ذكرناه .
المجموع 5/178
إعانة الطالبين 2/127
وقال في المنهاج :
ومن تعذَّر غَسْلُهُ لفَقدِ ماءٍ أو لنحو حَرْقٍ أو لَدغٍ ولو غُسِّلَ تَهَرَّى أو خيفَ على الغاسل ولم يمكنه التَّحفُّظ يُمِّمَ ، وجوبًا كالحيِّ ، وليحافظَ على جثَّته لتُدفَنَ بحالها ، وليس من ذلك خشيةُ تَسَارِّ الفساد إليه لقُرُوحٍ فيه لأنه صائرٌ لِلْبِلَى .
🌴ويرى الحنابلةُ :
أنه عند تعذر غسل الميت مع الدَّلك لمانع صُبَّ عليه الماء صَبًّا من غير دَلْكٍ ، وإلا انتقل إلى التَّيمم .
🌴وفي الرواية الأخرى عند الحنابلة :
أن من تعذر غسله فإنه لا ييمم ويصلى عليه من غير غسل ولا تيمم ، بناء على أن المقصود من الغسل هو التنظيف ، وهو لا يتحقق بالتيمم .
قال في الشرح الكبير (2/337) :
من تعذر غسله لعدم الماء ، وللخوف عليه من التقطع بالغسل كالمجدور والغريق والمحترق، يُمم إذا أمكن، كالحي العادم للماء أو الذي يؤذيه الماء، وإن أمكن غسل بعضه ، غُسِّل ويُمِّمَ للباقي كالحي .
ويُحتمل ألا يمم ، ويصلى عليه على حسب حاله، ذكره ابن عقيل ؛ لأن المقصود بغسل الميت التنظيف ولا يحصل ذلك بالتيمم، والأول أصح إن أمكن غسله بأن يصب عليه الماء صبًّا ولا يمس غسل كذلك .
والله أعلم .
وقال في المبدع (2/240) :
ومن تغدر غسله لعدم الماء أو عذر غيره ؛ كالحرق والجذام والتبضيع يُمِّم ؛ لأن غسل الميت طهارة على البدن ، فقام التيمم عند العجز عنه مقامه كالجنابة وإن تعذر غسل بعضه غسل بعضه ما أمكن وييمم للباقي في أصح الوجهين .
وعنه :
يكفن ويصلى عليه بلا غسل ولا تيمم ؛ لأن المقصود بالغسل التنظيف .
وقال ابن أبي موسى المحترق والمجذوم والمبضع يصب عليه صبًّا ثم يكفن .
🌴وقد نص بعض المعاصرين من أهل العلم على مسألة من مات وبه مرض معدٍ يضر ، أنه يُمَّم ولا يُغسَّل إن خيف إلحاق الضرر بمغسله .
فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "ما يفعل بالميت عند تعذر غسله"
Post A Comment: