د.مُهَندِس/ إيَادُ الصَّاوِي يكتب : " وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ ..!! " .. " فِرْيَةٌ وَ دَحْضٌ ..!! " ..
********************
سُلَّمُ المجدِ ليس مزدحمًا في القمة لنتعثَّرَ على مدارجهِ ،
- هذا أولا - ..!
ولا أرانا بلغنا منازل الفطاحل والمفّوهين النبغاء في لغتنا وأدبنا لنتبادل التهم ، ونقذف بالريبة والظن ، وحال لغتنا يائس ، يعاني التهميش الثقافي والانحسار والتلوّث ..!!
ولاتسأل عن حال الأدب والشعر اللذين أصبحا مرتعا لكل هامّة ودبيبة ..!!؟
إن ما حملني على كتابة هذه الحروف ليس ما جرى على العربية من محن الدهر ..
بل مستوى الانحدار الفكري الذي وصل إليه حماتها ، وضيق منادحهم الذي نصَّبَ كلَّ من اغتنى من مكنوزها وذخائر معجمها حَكَمًا ينال من كعب غيره ويصيبه في مقتل ، دون أن يتبين ويُمَحِّصَ بعين الناقد الحاذق والغيور على الإبداع لا من الإبداع وأهله ..!!
إن الكلام قدحُ الذهن يلمع في ذهن الأريب فيفتح له السبل ، ويشرهُ له اللبيب وتطيب به العلل ..
ومن أساء السمع ، أساء الجواب ، وفهمُ المرادِ أوجب من الجواب ، والفذّ من الناس من بذّ صنيعه قول الناس فيه ، وترك ما لا يعني لما يعني ، وعفّ اللسان وصون البيان ..!! ورحم الله الفتى يحي بن أكثم لمّا ولي قضاء البصرة وهو ابن عشرين ربيعا ، فاستصغره أهلها ، حتى قال له أحدهم : كم سنُّ القاضي ..؟!
فأجاب : أنا أكبر من عتاب بن أسيد يوم وجّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - به قاضيا على أهل مكة يوم الفتح ، وأنا أكبر من معاذ بن جبل يوم وجّه به النبيّ قاضيا على أهل اليمن ، وأنا أكبر من كعب بن سُور يوم وجّه به الفاروق عمر قاضيا على البصرة ..!!
إن تزكية النفس من النواهي .. إلا في درء الدواهي ، فلا سمعة ولا رياء لمن أعرض عن فِرية السفهاء ، وشغل بالسير نفسه عن مهاترات البلهاء ..!!
ومن عزت عليه نفسه ، عزّت عليه لغته ، واستجمع لها المهر ، وأنِفت يداه عن القِلّة ، وهمّته عن الذِلّة ، وألبسها الأكاليل ..!!
والبعض لا يفهم الأشياء على حقيقتها ، بل على حقيقته ..
وقد زعم أقوام بسرقة الأدب .. والتبس عليهم النص بالنص لعشو عيونهم واضطراب عقولهم ..
لا يفرقون بين الوالد والمولود ، ولابين البالغ والموؤود ؛ وإن كان النص ابن النص ، والإبداع والهجنة والتناص والاقتباس وتداعي الأفكار وعدوى الإبداع ما هي إلا أعراض دالة معافاة المولود ..!
ألم تكن أولى كتب النقد التي ألّفها أصحابها بتهمة السرقات الأدبية المنسوبة للمتنبي ..!؟
وبعضهم اعترف أنه كان عبدا مأمورا أو مأجورا للنيل من شاعرية أبي الطيب والانتقاص من مكانته الأدبية في عصره ..؟!
بعد أن أوغلوا عليه قلب صاحبه فاستجمع له كل ذي علم وحرف ومكانة ..؟!
أليس يُقصد بالسرقات الأدبية هو أخذ كلام الغير لفظا أو معنى ونسبته للنفس ..!؟
أليس الأخذ بخواطر
الأولين والمتأخرين والأخذ بخواطر بعضنا البعض هو تأثر وإعجاب وخالص مدح ..!؟
ألم يقل زهير بن أبي سلمى :
ما أرانا نقول إلا معارا
أو معادا من قولنا مكرورا
يبدو أن المنهل واحد ، والطراز واحد ، تتداوله مئات الألسنة بالصقل والتهذيب ، فكل شاعر يزجي بضاعته ويصفي جهده ليظهر براعته ..!!
إن الاتصال بين النصوص مسألة عريقة سواء كانت واعية ومقصودة أو غير ذلك ، حقيقة أكدها فلاسفة اليونان وعلى رأسهم أرسطو ..
وأكدها النقاد العرب قديما فأبو هلال العسكري يقول : " ليس لأحد من أصناف القائلين غِنًى عن تناول المعاني ممن تقدّمهم والصب على قوالب من سبقهم " ،
وقال أحمد بن طاهر : " ومن ظن أن كلامه لا يلتبس بكلام غيره فقد كذب ظنه وفضحه امتحانه " ..!
وإن كان للعرب وعي بالتناص إلا أن مصطلحه توارى تحت مسميات بلاغية .. " كالتضمين ، والتلميح ، والإشارة ، والاقتباس .. " وفي النقد عرفوه ب " المناقضات ، السرقات ، المعارضات .. "
وأول من أشار إلى مصطلح التناص هو " محمد بنيس " الذي أقامه على ثلاث آليات هي : الاجترار والامتصاص والحوار ..!!
أما " محمد مفتاح " فسماه التناص ثم حوار النص ، ثم مصطلح التخاطب ويقسمه إلى : داخلي وخارجي
فالأول يكون بين أعمال الكاتب ، والثاني يكون بين اعماله وأعمال غيره .!.
وناقش " صلاح فضل " مفهوم التناص واعتبره إنتاجا جديدا فهو : " عمل تحويل وتمثيل عدة نصوص يقوم به نص مركزي يحتفظ بزيادة في المعنى " ..
وفي الغرب ظهر المصطلح مع " ميخائيل باختين " الذي سماه بالحوارية أو تعدد الأصوات ، وطوّرته " جوليا كريستيفا " وعرف بالتناص ومنذ ظهور المصطلح اعتُمد كمقاربة في التحليل النقدي في معظم المناهج ..!
ويؤكد " رولان بارت " أن : " كل نص تناص ، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوته (...) فكل نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة " ..!
ونؤكد هنا على رؤية " جيرار جينيت " الذي نفى أن يكون النص هو موضوع الشعرية قائلا : " لا يهمني النص حاليا إلا من حيث تعاليه النصي ، أي أن أعرف كل ما يجعله في علاقة خفية أو جلية مع غيره من النصوص ثم يقول : وأقصد بالتداخل النصي التواجد اللغوي سواء أكان نسبيا ، أم كاملا ،أم ناقصا لنص في نص آخر .." ..!
إذا نخلص إلى أن الحروف تتناسل والنص ابن النص ، والإبداع وليد الإبداع ، وأن التشابه في الحروف والرؤى ليس استنساخا بقدر ما هو تطوير ،
واستمرارية للإبداع هذا من جهة ..!
ومن جهة ثانية :
كيف لذي موهبة لا تعجزه فنون القول في كل ضرب من ضروب الأدب ، وقد أفرى فيه فريه وترك فيه بصمة وطابعا عزّ نظيريهما فيما تقرأون ، ولا يكاد يشبهه فيه إلا الألمعيّ الأريب ..؟!
كيف لي أن أطمع في ضغث من حروف ...؟!
من مساوئ هذا الزمان أن تبري الأقلام بالأسنان فيأتي رسمها نكدا على الأدب والأنظار ...
وحريّ بصانع التهمة أن لا يقف عند بعض النماذج ويجول بطرفه في رياض شعري وبساتين أدبي الواعدة ، ومسارح قصصي الفيّاضة ، ومقاماتي الإيادية المائزة ، وومضاتي الخاطفة ..!!
عجبا !!
هل عميت الأبصار عن أدبي وواسع عطائي فلم تر منه غير ذلك المتشابه - على حد زعمهم - ..؟؟
وهل بلغ الجحود أن ينكروا عليّ نشأتي بين الأعاجم وحبّي للغتي وإتقاني لرسمها وشكلها وحذاقة لساني ودربة بياني وذكاء فؤادي إذا تعلّق الأمر بمكنون لغتي مما لم يحط به أبناء الأعاريب إلا نخبة نجباء ..؟!
وصدق القائل:
إن الرياح إذا اشتدت عواصفها ..
فليس ترمي سوى العالي من الشجر ..!!
فالعالي متصدر للسهام وغرض للحاسدين اللئام ..!!
اتهمني من اتهمني بسرقة سطرين من غيري ..؟!
وهو نصي " ناسك " .. مع نص أحدهم " استبداد " وهما من القصص القصيرة جدا .. لتوافق الفكرة وتكاد الألفاظ تتطابق ..!!
وحاشاني ..!!!!!
وذلك لأسباب ..
أولها : ما قدمت مطلع الكلام ..
وثانيها :
أنا لا أقرأ على الفايسبوك لأحد ، اللهم إلا ما دلني عليه مقرب أن هناك نص يستحق وذلك لطرحه على منصة النقد ، وأنا لا أعرف أحدا على جهة العموم نأت بي غربتي وعجميتي عن الاختلاط بأشخاصهم وشخوصهم وأنا لا أعرف النص محل النزاع ولا صاحبه ، ولم أعرفه مجرد اسمٍ إلا بعد الواقعه وعرفت أنه محمول على الأدب ، وما حصلته من أدبه السب والشتم ،
أفيضيق معجمي حتى أُوَتِّرَ قوسي سهما من كنانةِ غيري ؟!
أو أنتحل حرفا لاكته محبرة غيري ؟!
أفيضيق عني هذا الأفق اللاحب من ولائد اللغة والفكر حتى تتطاول يد فكري إلى وعاء غيري لتغترف منه ..؟!
منذ متى البحر احتاج إلى الركايا ..؟! ،
فلو كان فعلى الدنيا السلام ، ولا أجدني إلا متمثلا قول أبي الطيب :
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
ثم انظر بعد إلى ما حوته السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام ، من حديث شقيق بن سلمة في صلح الحديبية ، قال : " ... فجاء عمرُ بنُ الخطابِ. فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ! ألسنا على حقٍّ وهم على باطلٍ؟ قالا (بلى) قال: أليس قتلانا في الجنةِ وقتلاهم في النارِ؟ قال (بلى) قال: ففيمَ نُعطي الدنيَّةَ في ديننا ، ونرجعُ ولما يحكم اللهُ بيننا وبينهم؟ فقال (يا ابنَ الخطابِ! إني رسولُ اللهِ. ولن يُضيِّعني اللهُ أبدًا) قال: فانطلق عمرُ فلم يصبر متغيِّظًا. فأتى أبا بكرٍ فقال: يا أبا بكرٍ! ألسنا على حقٍّ وهم على باطلٍ؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنةِ وقتلاهم في النارِ؟ قال: بلى. قال: فعلام نُعطي الدنيَّةَ في ديننا ، ونرجعُ ولما يحكمُ اللهُ بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابنَ الخطابِ! ( إنَّهُ رسولُ اللهِ ولن يُضيِّعَه اللهُ أبدًا ). قال: فنزل القرآنُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالفتحِ. فأرسل إلى عمرَ فأقرأَه إياهُ. فقال: يا رسولَ اللهِ! أو فتحٌ هوَ؟ قال : نعم .. فطابت نفسُه ورجع .
فانظر تطابق القولين ولم يكونا في مجلس واحد ليسمع أبو بكر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا جاءه عمر رد عليه بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل كان كل منهما بمنأى عن صاحبه ومع ذا تطابق القولان تماما ..
فما يقول القائل في مثل هذا ..؟!
وما حذفت النص عن ريبة ولا عن فزع ولا خلل بثقة في ذاتي ، اللهم لا
ما حذفته إلا إصغاءً لفاضلٍ له في نفسي مكان وأراه أبصر مني وأعلى عينا بكم ، ومراعاة للعقول الضحلة والعيون الحولاء ..!
أما قول القائل أني عمدت إلى قوله فألصقته بي فهذا وهم وعطب وضيق أفق ، خاصة بعد إذ علمت بعد أن هذين السطرين مشهورين ..!!
أفيتسنى لعاقل يأتي برج إيڤل ويقول إنه لي ؟!
لا يتصور هذا عاقل قط بل ولا مجنون ،
فكيف يناط بي ما يظن أن يكون أضعف إيماني بعض من عقل وفطنة وبصيرة ..!!
أفعدمت كل هذا إلى هذا الحد من السخف ..؟!
في النهاية لا أتمثل إلا مقالة محمد بن شهاب الزهري العلم الإمام ، في ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والذهبي في السير ،
فقال هشام لـ سليمان بن يسار : من الذي تولى كبره ..!؟
قال : ابن أُبيّ ، فقال هشام : كذبت ، هو علي بن أبي طالب ، فقال سليمان : الأمير أعلم بما يقول ، ثم قال للآخر : من الذي تولى كبره؟ فأجابه وكذَّبه.
ثم وصل ألى الإمام الزهري عليه رحمة الله ، فقال له هشام : من تولى كبره ..!؟ قال : ابن أُبيّ – عليه من الله ما يستحق – قال : كذبت ، فانتفض الإمام الزهري ، وقال : أنا أكذب لا أبا لك ! والذي لا إله إلا هو لو نادى منادٍ من السماء : أن الكذب حلال ما كذبت ، والذي لا إله إلاَّ هو لقد حدثني سعيد و عروة و عبيدة و علقمة عن عائشة بأن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي ، فارتعد هشام وانتفض ، وقال : هيَّجناك يا إمام سامِحْنا ، سامِحْنا ..!
فأقول : أأنا أسرق ، والذي لا إله إلا هو لو نادى مناد من السماء أن السرقة حلال ما سرقت .
كيف هذا ..؟!
حيث لا يأذن بهذا وضعي العلمي ولا الشرعي ولا الأدبي ولا التربوي ولا أخلاق الرجال النبلاء ..؟!
يقول والتر ليمان :
" عندما يُفكِّر الجميع بالطريقة ذاتها ، فهذا يعني أن لا أحد يفكر " ..!
وخِلال عَمَلِية " الاقْتِنَاع " ..
هُناك في عُمق كُلٍّ مِنْ مُحاوَلة تبرير قناعَتك ، ومحاوَلة البَحث عَن الحَقِيقَة فَرق شاسِع ، فاحْذَر فَخ التشَابُه السَطْحِي المَاكِر بينهما ..
ابحَث عَن الحَقِيقَة ، لا مُجَرَّد تبْرِير فقط ..!!
" كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ "
ولست أكتب هذا اعتذارا لأحدٍ بقدر ما هو لنفسي مما نالها ممن كاد لها وأقول كما قال البحتري :
إِذا مَحاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بِها ** كانَت ذُنوبي فَقُل لي كَيفَ أَعتَذِرُ ..!!
• يعجبني تفوق النملة بثقل حملها على طول المسافة الوعرة .!!.
أما أنت يا أيها الذي تنظر إلي بعين طبعك .. ما أنا مكافئك بمثل نظرتك .!.
إنّني أكنُّ الاحترام لكل من خالفني ، ولكل من وافقني حتى أولئك الذين أخذوني بريبة التجنيِّ والبهتان ..!!
لأن احترام العقل والفكر الحر هو أبلغ تقدير للذات ، ولست مستعدا لأخلع على أحد بردة مهابتي لجحوده حقا أنا صاحبه ..!!
*************
د.مُهَندِس/ إيَادُ الصَّاوِي يكتب : " وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ ..!! " .. " فِرْيَةٌ وَ دَحْضٌ ..!! " ..
Post A Comment: