الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان "في سجن نفسي (التراث كشرط النهضة)" 




كانت الأخلاق عند "أرسطو"، مرتبطة بشكل كبير بمفهوم الغاية، ومنتهى غاية الإنسان لديه كانت السعادة، سعادة الإنسان المتعلقة بمقاصد الخير، وإنتقلت تلك الأفكار له مورثة عن معلمه"أفلاطون" الأخير الذي رأى بأن(السعادة هي الخير) كل لا يتجزأ، بمفهوم يفضى إلى الفضيلة، والفضيلة قضية عالجها  "أرسطو" حيث ربط الخلق بالعادة، فكانت الفضيلة لديه عادة في سلوك الإنسان وطبيعة تصدر عن المرأ كطبيعة ثانية، ثم إشترط أن تكون الفضيلة وسيلة لتحقق غاية السعادة؛


وقدمت "الرواقية" مفهوم الواجب المتصل بقانون خلقي مهتمة بالبحث في الغايات، يختلف عنها البحث اليوناني الأصيل المهتم أولا بالمبدأ الخلقي يليه الغايات ثم الواجبات، إلا أن "النفعية" إستأثرت بالغايات غير مبالية تقريبا بمسألة الأخلاق، لإرتباط السعادة الفردية لديهم بغاية الإنسان، السعادة المختذلة في اللذة، والسعادة الفردية التي هي عماد وقوام التأثير النفعي هي المكونة بالأساس للإتجاه الليبرالي الرأس مالي المكتسح عموم الحضارة الغربية؛


وبينما كان الدنو النفعي نحو تبجيل الحس، قابلته بحالة الند أفكار "كانت" بمرجعية العقل في نطاق عملي تجريبي فكون "كانت" إتجاه أخلاقي مغاير عن الرواقيين يعتمد على الواجب ولا يكاد يلقي بال للغاية و الخلق، متصادم مع النفعيين شكلا وموضوعا، وشكلا إتجاهي السعادة الفردية للمعسكر النفعي والواجب الإنساني لمعسكر كانط أكبر المباحث في فلسفة (الأخلاق) على مدى قرنين.


☆ العقل العربي هنا وأمام الحضارة الغربية يظل متمسك بالتبعية، يتأذى حين يدرك فارق الإختلاف، ويندفع طالما لم يدرك الفارق، فيصير أمام مستويين، مستوى للتواصل ومستوى للإنقطاع، قدمت الفلسفة الإسلامية الخلق كأصل مرتبط بالدين نفسه ومهدت للغايات الإنسانية سبل السعادة المرتبطة بفضيلة التسليم، ومبدأ التسليم لم يكن أبدا في الإسلام بالإرغام بينما الفارق البارز هو أن يكون لخيارات الإنسان عواقب، كي يستطيع أن يميز هدفه ويتميز بفكر صحيح وسليم.


☆التراث شرط نهضة للفكر، فهو الروح التي تخلت عنها أوربا فسقطت فريسة ماديتها الوقحة، فالغرب لما أراد الإستمرار إستهلك قوانين الواجب بطرائق تؤجج لذة نفعيته في دمج وضيع لإتجاهين متضادين في الفكر فتغيب الوسيلة لما تصل للغاية، لكن الحضارة الفعلية الحقة تحمل النقائض وصور النقيض بالنقيض تتصاعد لتبني التنافس على مستويات من المساواة.


☆ التراث يحدد تصوراته عبر موجهات للسلوك ضامن العمق التاريخي الحامي لها من التمييع والتداخلات الهادمة، ولا يقف حائل ضد التحديث، بينما في غياب التحديث يظل لدى الشعوب التراثية هوية وخصوصية، وفي غياب التحديث أيضا حدث أن شعوبنا تعيش حالة من التوقف، التوقف عن إستمرار الحالة الحضارية، أو كانت كذلك قبل أن تدركها وتصيبها سهام النفعية المغلفة بكساء الواجب، فكانت تلك الشعوب بالقصد الخالي من مكاسب التحضر الزائف للإنسانية كلها، فتخلفت لما أريد بها التخلف، ولا إمكانية لإستمرار حركتنا إلا أولا بالتمسك بالروح التراثية وثانيا إنتهاز الميزة الوحيدة التي إستفدنا بها من الغرب المادي، ألا وهو التقدم فنوفر على أنفسنا عناء المسافة ولا ضرر من الإقتباس المؤدي إلى إنتاج خالص للعقل العربي.




الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان "في سجن نفسي (التراث كشرط النهضة)" 



Share To: