الأديب التونسي أ. المختار عيادي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "أضغاث أحلام "




يبدو الشاطئ حزينا على غير عادته ، موج يتلاطم و قوارب تتراقص فزعا و أشرعة لا تستقر على ناحية  ، و رياح تتلاعب بأجنحة الطير على مقربة من سطح الماء الهائج. 

يجلس يوسف وحيدا في ركن منزو يتابع الصخب و اصوات  البحارة يتنادون بالتحذير ، يترشف بقايا قهوته الباردة على نخب خيوط بيضاء تصاعد من سيجارة متهالكة يلفظها بعد نهم الأنفاس الاخيرة..يتنفس بعمق و يتمطى إلى الخلف ينشد بعض الذكريات ، بعد أن أسند رأسه إلى يديه المتشابكتين.. يمرر سجل الصور و المقاطع القديمة في ذاكرته، مادا بصره إلى أفق الشريط الساحلي  في محاولة للظفر ببعض الومضات الضائعة في شعاب خيالاته  ...

كانا هنا يجلسان سويا كل عشية يرقبان خطوات الماء يسير إليهما نشوانا..هانئين بالصمت و حديث النسمات  التي تغني عن كل لغو ..يلتهمان ألحان المساء المنبعثة من المقهى المحاذي..و كانا إذا هما بالكلام ، اختنقا ..و إذا عزما على القيام ، تكبلا.. و إذا فاضا بالشعور ، تنهدا..

 يمر الوقت كالطيف ، و يحاصر الماء مجلسهما دون أن يجسر على إطفاء  جذوة اللهيب المستعر و ثورة العواطف المشتعلة ..و كلما حاول الموج الهادر اقتحام عرشهما ، أحس بتيار سحري يدفعه عنهما و يتراجع من شدة قرع قلبيهما و يكتوى بصهد النظرات و هادئ البسمات من ثغور واجمة..

و حين قرر التخلص من عجزه و استجمع كل عزمه متحديا ، التفت إلى ناحيتها، فتراءى له خيط من النور يتسلل من قرص الشمس البازغة  ، و تناهت إلى مسمعه حركة تدب في الشوارع المحاذية و جلبة ألفها كل صباح ..فتح نصف زاوية في عينيه فتحسس وجه أمه تستلطفه للنهوض سعيا وراء لقمة العيش و تستنهض همته و نشاطه كالعادة، بابتسامات فردوسية  ./.



الأديب التونسي أ. المختار عيادي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "أضغاث أحلام "




Share To: