الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان "الحرية كأصل أو إستثناء"
.......(نيلسن مانديلا)، يبدوا أننا لن ننساه كلما نظرنا للتاريخ بإعتبار أنه تقدما نحو الحرية، إذ لا يوجد تاريخ محايد، بل فصول تبنى على فصول، ومن أمتع اللحظات التي يقف عليها أي باحث في التاريخ، هي متشابهاته والقريبة جدا من بعضها والتي يطلق عليها مجازا "تاريخ يعيد نفسه".
والحقيقة أن التاريخ لا يتكرر أبدا فهو و إن شهد بعث أمة لمرتين أو أكثر، فهو يبرز إستثناءات تجعل من كل حقبة مختلفة بالكلية عن مثيلاتها في السابق واللاحق، كيف يمكننا إذا التصور بأن الزمن يتكرر، والأمور على نمط التكرار لا تكون في صالح نمو التاريخ، وإلا أمسى نمط متواضع لأن يمسك به مؤرخ أو يشير له باحث.
إذا فإن مانديلا شأنه شأن الكثيرين كمالكوم إكس أو جيفارا أوكاسترو أوالدي لاما، وغيرهم من النضاليين، وعلى إختلاف مسارح عملياتهم وإختلاف أطر أفكارهم، لن يظهر التاريخ نسخ عنهم تقضي لما أفنوه من تأثير في سبيل الجملة الإنسانية الوحيدة المعبرة عن إهتمام مستتبع بمستقبل يستساغ ويستصاغ للإنسان كجملة،(من أجل الحرية).
والقتال من أجل الحرية ليس سلعة مقابلها سلعة الظلم، بل بفعل وحي مضاد للشر كونه المصغر والهزيل والضعيف أمام نبوؤة الخير النهائية في فصل تاريخي معين، يرى لهذا الوحي في الأخير نورانية التحقق، هذا وإن كانت النبوؤة أو النبؤات مجرد ومضات مستقطعة على مدي ربما الزمن كله، لكن في النهاية هناك عصر مستقطع ما تكون للحقائق فترات إذدهار تكشف خط فاصل بين ضبابية وأخرى، هنا تتكشف فصول وتنزوي بفصول، بمعنى آخر" إن التاريخ يأكل لنفسه، وليس نفسه، وعوضا عن أن يتلاشى، هو يتمدد ليشمل، من إنسان الحجر إلى إنسان القمر، وأبعد من ذالك إلى ما يشاء الإنسان أن يصل".
ولمبدأ التاريخ الإنساني الأصيل (الحرية) هذا القانون، وهذا التمايز، التمدد بديلا عن التلاشي" يقول نيلسن منديلا، المقاتل لأجل الحرية يتعلم بالطريقة الصعبة، وأن الظالم هو من يحدد طبيعة الصراع وغالبا لا يجد المستضعف بديلا سوى إستخدام نفس أساليب الظالم"، هذا أمر يحيلنا بالقول أنه وإن تشابهت فصول زمنية للتاريخ فهي تتشابه في عناصر معينه بعناوين عريضة، لكن التفاصيل المختلفة تؤدي في الأخير إلى نتائج متباينة عن بعضها البعض، وهذا ما جعل الإنسانية في تقدم بالغ لدرجة الإستوحاش والقلق والخوف، لكنه يظل تقدما أبرز بنائياته المتماسكة هي (الحرية)، بل هي السبب الرئيس لغلو الإنسان في طلب التطور والتقدم والتحديث.
ولهذا لا يعد عدم الشعور بمرحلية التاريخ أمتداد نمطي موحد له، وسكلات الضعف التي تعد بداية لنهاية فصل الإنهزام بالخلاص إلى حرية كاملة وفي نفس الوقت مؤقتة، ما هي إلا مرحلية في الأجل التاريخي المتغير، وكما أن هناك مستويات للضعف هناك مستويات للحرية أدناها التأثير المعبر عنه مأثورة مانديلا الخالدة" لا يكون حر من رأى هوان غيره ولم يشعر بالإهانة" ، هي جملة في وعي الإنسان ضاغطة على ضميره حركت الدنيا ضد العنصرية في كل بقعة عانت منها و حركت ضمير العالم ضد الأبارتايد العالمي والممارس في دول تزهو بديمقراطيات مثالية، إذ إستطاعت كشف الشعرة البيضاء في الحليب الناصع البياض، لكنه النظام العالمي الذي يجد من الإنضباط أقدر منزلة من حرية يراها فوضى، العالم التي تحدد ملامحه أقطاب وإستقطابات تابعة.
وأتسائل، أنه ولما أقامت العلمانية صورها المتعددة، من أصول وأنماط وصولا لنسخ وأشباه، لماذا تمسكت بأصل إنساني ك(الحرية) وقودا وطاقة ومسطحا واسع تلقى فيه جميع الأعباء وهدف واضح تسري له جل النوايا، رغم أن للحرية وجه واحد لا يحتمل كل تلك التكلفات والتكاليف، ولم أجد سوى مثال رائق ورائج وهو "الحمار والجزرة" ، وهنالك حقيقة واحدة صدح بها مانديلا كأحد آخر تجلياته،(الظالم باحث عن الحرية كما يبحث عنها المظلوم)، أنه وللإنسانية وهم كبير إسمه الحرية، هو المبدأ الذي تشدق به الإنسان منذ وعى ضرورة إصطياد ما يأكله حتى فاضل بين نوعيات طعامه، الحرية سواء كانت إختيار إنساني نشأ به التاريخ، أو وهم إنساني ألصق بالتاريخ، في الأخير هي أصل الأصول في كل شيء، لهذا وإن كان إختيار فهو تقلب في الفصول وإن كان وهم فهو أبعد ما يكون لأن يتحقق سوى باﻹيهام أنه يتحقق في فصول للتاريخ، وأي كان ما كان هذه هي الجزرة وهذا هو الحمار، الهدف والوسيلة فإما أن نرتقي لمبدأ الحرية الأصيل، أو نحقق من التاريخ سخريته منا كأمثولة له ونموذجا.
الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان "الحرية كأصل أو إستثناء"
Post A Comment: