الكاتبة المصرية / خلود أيمن تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "جفاء الأبناء"
ليل طويل أرخى سدوله على حياتي في تلك الليلة الغابرة التي كانت فيها الوحدة تنهش جسدي كذئب بشري ينوي القضاء على ما تبقى مني ، تفتك بعقلي ، تعتصر قلبي بعدما هجرني أحد أبنائي وقرر الزج بي في دار المسنين عقب زيجة أخته الكبرى و عدم قدرته على تحمل العيش معي بَعْد أو تلبية متطلباتي الزهيدة ، فلقد قرر إلقائي في تلك المشفى اللعين التي يزورني فيها الشؤم والحزن كل يوم بل كل ليلة ، ولكن تلك الليلة لم تكن كباقي الليالي فلقد كان الجو مطيراً في الخارج حيث تهتز الأشجار بقوة تكاد تقتلعها من جذورها وصوت حفيف الأشجار يبعث الفزع والذعر في قلبي وكأنني أرى أشباحاً تتحرك في الخارج بفعل أضواء البرق التي زادت الأمر التباساً و رعباً ، فلقد صرت أرهب كل شئ الآن ولا أجد بجانبي مَنْ يطمئنني بعدما تخلى عني الجميع فلقد صرت أسير العجز والشيخوخة التي داهمتني ، لا أجد مَنْ يساعدني من أبنائي أو يقدم لي يد العون ، ولكني قد وجدته من أناس غرباء يسهرون على راحتي رغم مُقتي الشديد لهذا المكان الموحش المقفر ، فلقد كان كل مَنْ به على درجة عالية من الذوق والكفاءة والقدرة على التعامل مع كبار السن وكأنهم مدربون على تلك المهمة الشاقة التي تحتاج لجهد وصبر وجَلد ، فلقد اعتدت الأمر رويداً رويداً ومع ذلك فقد كان امتعاضي يلازمني في بعض الأوقات حينما أتذكر تلك الطريقة البغيضة التي جئت بها إلى هنا بعد نسياني المتكرر بفعل إصابتي بداء الزهايمر رغم غياب التقصير من أي من الموجودين في هذا المكان الذي كانت الخدمة به على أعلى مستوى ولكني كنت أشعر بالتَحيُّر من أمر تلك الحياة فمن الطبيعي أنْ يمر المرء بمراحل عمرية مختلفة يفقد بمُضيها أشياءً ولكن أليس من حقه أنْ يجد مَنْ يرعاه وقت الكبر وإلا فما الفائدة من إنجاب الأطفال إذاً ؟ ، أنأتي بهم كي نرعاهم ثم يكون ذلك هو الجزاء على ما فعلنا تجاههم ، قدمنا لهم من تضحيات و خدمات مختلفة ، لا أجد أي جواب لتلك الأسئلة التي طالما راودتني خلال فترة إقامتي في تلك المشفى العجيب قبل أنْ أُرسِل تلك الرسالة التي وضعتها داخل إحدى الورقات وطويتها وأوصيت بتوصيلها لأحد أبنائي عقب وفاتي وقد كان ، وتلك كانت وصيتي أنْ يصل فحو تلك الرسالة لهم أو تقع أمام ناظريّ أحد أبنائهم حتى يتعظوا ولا يكررون تلك الفعلة الشنعاء مع آبائهم رغم أنهم يستحقون المزيد ولكنني حاولت أنْ أُبْقِى على القيم التي طالما تربينا عليها منذ الصغر وهي الحفاظ على العهد وعدم التفريط فيمَنْ أفنوا حياتهم علينا بتلك السهولة والبساطة وكأنهم صاروا عبئاً بعدما بلغوا العتي ولم نَعُد بحاجة إليهم ...
الكاتبة المصرية / خلود أيمن تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "جفاء الأبناء"
Post A Comment: