الأديب العراقي / د. نعمه العبادي يكتب :هل نحن بحاجة إلى الاسئلة أم نحن بحاجة إلى الاجوبة؟
مما لا شك فيه ان نقص النتائج وقصور المعطيات يأتي من احد مدخلين: إما خلل في المعرفة (نقص العلم) او خلل في العمل، بحيث يكون هناك علم بما ينبغي ولكن يقصر العمل عن تحقيقه لأسباب لا مجال لسردها في هذا الايجاز.
في كلا حالتي النقص يعود الخلل إلى احد المتطلبين: إما نقص في الاسئلة الضرورية التي يمكن من خلالها الاهتداء ل (لمعرفة الضرورية والعمل الواجب للانجاز) او ان هناك نقص في اجوبة الاسئلة الضرورية مع وجودها.
عند التمعن في واقعنا على المستويين (الشخصي والعام) نلاحظ الدوران في حلقة الاسئلة القاصرة او المضللة او محدودة الوعي او الشكلية او مخطوءة الصياغة والطرح، وبما ان السؤال هو مفتاح المعرفة، وبوصلة البحث عنها، فإن المؤكد، (وفي احسن الاحوال) الحصول على اجوبة لا تتجاوز مستوى حدود الاسئلة، الامر الذي يعني ان معارفنا محكومة بهذا الحد.
مما لا شك فيه، ان هناك اسئلة جادة وعميقة تحرك وعيا منتجا، ولا تزال تتطلب اجاباتها المناسبة إلا ان هذا الامر محدود في دائرة ضيقة.
عند البحث في السلسلة المنطقية المعرفية التي تمثل الخطوات الضرورية لإنتاج السؤال، يتقدمها (الوعي بالحاجة للاجابة) و (الادراك العميق بالجهل بها) ثم (امكانية خلق تصور محيط بصورة الجهل الذي نحن فيه) وبعدها (تشكيل هذه الصورة على صيغة استفهام قابل للاجابة) وهذه الخطوات قد تأتي مجتمعة بثواني وقد تحتاج الى سنين من اجل الوصول لها.
كنت ولا زالت أوكد على ان المفكر له فضيلة طرح السؤال الصحيح والعميق والمدرك لطبيعة الاشكاليات التي هي صياغات نظرية للمشكلات، وان هذه الفضيلة ثابتة له حتى وان لم يأتي بالجواب الصحيح.
عند النزول الى التطبيقات العملية سوف اعرض لموضوعين آنيين واقوم بتطبيق الاطار المعرفي الذي ذكرت، إذ اخترت مثال من فصيلة السياسة ومثال من فصيلة الدين، ففي السياسية وفي ظل الجدل القائم وبعيدا عن موقف المؤدلجين، هناك سؤال يفترضه الجمهور العام هو المفتاح الحقيقي لتكوين موقف موضوعي من هذا الجدل، ومفاد السؤال (أي الفريقين على حق التيار ام الاطار؟)، ولا شك في ان المعظم يرى ان حاجتنا الاساسية في هذا الموقف الحساس إلى الاجابات الدقيقة إلا ان قراءة واعية لهذا السؤال تكشف عن قصوره في تحديد عمق الاشكالية، فماذا لو قلنا (ما الذي جعل مصيرنا مرهون بين التيار والاطار؟) او (لماذا نكون رهناء مشهد سياسي محكوم بهذه الثنائية الاقصائية؟) وهكذا يمكن البحث في اسئلة عميقة ومنتجة لمعرفة اصح وادق.
في المثال الديني المتعلق بالخلاف حول بداية الشهر ونهايته وما يتبع ذلك من ارباك بين الناس خصوصا في شهر رمضان، يكون السؤال التقليدي: (لماذا يختلفون على تحديد بداية الشهر؟)، وهنا يكون السؤال الاهم والاكثر دقة (هل يمكن تجاوز الاختلاف حول الهلال عبر آلية توحد الجميع على موعد واحد؟)، (ما هي الدواعي التي تجعل الخلاف على الهلال سنة مقبولة مع ان حقيقته خلاف واضح لسنة ثابتة..؟)، ويمكن ان نصوغ عدد كبير من الاسئلة بطرق اكثر عمقا.
الوصول الى الاسئلة العميقة والجادة والمنتجة طريقه التحول من العقلية النمطية او الجربزية الى العقلية النقدية الفاحصة، وبيئته بيئة البحث والاستفهام الجاد بعيدا عن الشيطنة والحذلقة، ونحن للاسف الشديد نعاني قصورا وتقصيرا حادا في مدخلاتنا التربوية لانتاج العقل النقدي وثقافة السؤال وبيئة البحث الجاد.
في الاثر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد فوجد حلقة ذكر ومجلس علم، فذهب الى مجلس العلم اشارة الى اهميته واسبقيته، ومن هذا المنطلق يمكن ان يكون رمضان موسم تحفيز الفكر الناقد والاسئلة الضرورية.
الأديب العراقي / د. نعمه العبادي يكتب :هل نحن بحاجة إلى الاسئلة أم نحن بحاجة إلى الاجوبة؟
Post A Comment: