الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب مقالًا تحت عنوان "الإسلام الأصولي2"



 



(٢)


تحليل مبتور:


تتبع لويس هزائمنا النفسية التي منينا بها مؤخرا، وأجاد في رسم الهيكل الخارجي للصورة التي من التطلع الأول لها توقن أنها صحيحة ولكن إذا أمعنا في التفاصيل سنجدها مليئة بالأغلاط عن عمد، خاصة وأنه مستشرق أوسع ما بين يديه بحثا وتقصيا، وابتدأ معيبا علينا تصنيف غير المسلمين بالكفار وتقسيم العالم إلى ديار للإسلام وديار للكفر.


ماذا يقول عنا غير المسلمين؟ هل يصفوننا بالمؤمنين؟

قطعا لا، عابد البقر بالنسبة إلي كافر بما أعتقد كما أنني كافرة بما يعتقد، وهذا منطقي جدا وطبيعي جدا وليس في ذلك سبة لي أو له،


وهو يفتخر بدينه كما افتخاري بديني، وبديهي أن البلاد التي يعبد فيها الله هي ديار الإسلام والبلاد التي يعبد فيها آلهة أخرى هي ديار للكفر،


ولا ضير في ذلك لأنه لابد أن يكون لكل منا رؤية واضحة لا لبس فيها ولا تعتيم، هذا باعتراف لويس الذي قال:


“أن العالم الإسلامي في ذروة تألقه رأى نفسه مركزا للحقيقة والتنوير محاطا بهمجيين كفرة ينبغي عليه في الوقت الملائم أن يحضرهم وينورهم”


لم نقل هذا عن أنفسنا مطلقا وإنما كان همنا دائما وأبدا هو تبليغ الدعوة، كما أن توصيف الكفرة بالهمجيين، فالأولى هي توصيف ديني بحت عند جموع البشر


والثانية أجادت في تفنيدها وترسيمها على سلوكيات غيرنا المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة،


ولولا ضيق المقال لقمت بنقل حديث البابا أوربان الثاني في كنيسة كليرمونت بفرنسا لجموع الأوروبيين لحثهم على الخروج للحروب الصليبية واصفا إيانا «بالبربر الكفرة»


الصراع بيننا وبين النصارى

ثم أفاض لويس في تفنيد كيف أن الصراع بيننا وبين النصارى كمنافسين لنا على حد قوله بدأ منذ اللحظة الأولى للدعوة ومستمرا إلى الآن،


ثم يعترف أننا طوال الألف سنة الأولى من عمر الإسلام كنا متقدمين على الأمة المنافسة لنا حتى تم احتوائنا في الثلاثمائة سنة الأخيرة،


والتي جعلت العالم كله يدور في فلكها بما في ذلك الإسلام، ثم يستنكر لويس الماسوني الصهيوني رفضنا للتسلط الغربي كما وصفه هو،


ويستنكر عصياننا المتنامي لهذا التسلط والسعي الحثيث لعودة المهابة الإسلامية والقيم الإسلامية،


وهو ما يشير إلى تجلي فكرة الأسياد والعبيد لديه فيستنكر علينا بشدة سعينا للتخلص من التسلط الغربي!


هزائمنا:

قسمها إلى ثلاث، الأولى فقدان السيطرة على العالم لصالح القوة المهاجمة من ناحية روسيا والغرب في آن.


الثانية كما قال وهي تقليص صلاحياته وسلطاته داخل بلادنا من خلال الأفكار الأجنبية الغازية وطرق الحياة الأجنبية،


وهذه بالطبع مرحلة الاستعمار العسكري وما تلاها إلى الآن،


فقد حل المستشرقون بأنفسهم داخل المدارس والجامعات واصطنعوا نخبة فاسدة على أعينهم ليكونوا بوقهم بيننا، جيلا يسلم جيلا آخر،


أكثر من هذا منهم من يتلقى الأموال علنا ومنهم من يتلقى الدعم المادي من خلف الأبواب تحت مسميات كثر،


فعميت الصورة على من ران على قلوبهم ليجوسوا في مزيد من التيه.


الهزيمة الثالثة وهي كما وصفها القشة التي قصمت ظهر البعير، تحدي سيادته (الإسلام) في عقر داره من خلال النساء المتحررات والشباب المتمردين،


وهذا يجعلنا نقول وبأعلى صوت أن كل المتفوهات بمشاكل المرأة وتحرير المرأة وتمكين المرأة والكتابة عن المرأة،


هن أنفسهن من تعملن ضد المرأة، والحقيقة أن هذا ما أراه بعيني وأوقنه،


لأن وضع المرأة والأسرة هو من سيء إلى أسوأ، وهذا يحتاج إلى بحث منفصل،


أما الشباب المغرر بهم تم استدراجهم على مهل بعد تجفيف المشارب التي كان يستقي منها الشباب قديما،


اعتنقوا فكر المستشرقين والمفكرين الغربيين الذين ضلوا وأضلوا ويريدون منا السير على درب المهلكة الذي سلكوه من قبل.


ثم يحمد لويس أنه يقر بالحقيقة الدامغة ويصدقنا بالقول:

“لقد كان كل ذلك شيئا لا يمكن تحمله، وكان أمرا محتوما لا يمكن تجنبه أن ينفجر الغضب ضد هذه القوى المخالفة، الكافرة، العصية على الفهم،


التي عملت على تدمير هيئته ومزقت مجتمعه وأخيرا انتهكت حرمة بيته،


كما أنه كان من الطبيعي أن ذلك الغضب ينبغي أن يوجه في المقام الأول ضد ذلك العدو الذي ناصبه العداء لألف سنة،


وكان طبيعيا أيضا أن يستمد قوته من العقائد والولاءات القديمة”


وكما أوجز واكتنز التحليل فإنني أود أن أسأل سؤال يحمل في طياته الإجابة،


لماذا حصر لويس رأيه في علاقتنا بالنصارى وكأننا فريقي كرة قدم دون التطرق لدور اليهود في إفساد بلادنا وبلاد النصارى على حد سواء،


بل ودورهم يبين عن خبث الطوية ليقبضوا على كل شيء بأيديهم وهو ما تحقق بالفعل،


وهم من يوقظون الفتن دائما وأبدا بيننا وبين منافسينا كما قال؟


بل وهم من كانوا قديما يحركون الأحداث من خلف ستار،


والآن بوجوه سافرة في افتخار، ولا عزاء لمن رضخ، دعوني اعترف أن ريتشارد وفيليب وكونراد كانوا أعداء نبلاء لأنهم واجهونا بوجوه سافرة كما نحن واجهناهم بوجوه سافرة،


وفي كثير من الأحيان كان بيننا نسب وأصهار حتى في خضم الأحداث في الحروب الصليبية


(ولا ننسى الحوار المفتوح بين ريتشارد والعادل أخو صلاح الدين قاهر كل ذي قلب سقيم) أو الأندلس،


أما من بدأ بتحريف الكلم عن مواضعه هم اليهود، ومن شق قلب الأمة الإسلامية إلى شيعة وسنة كان عبد الله بن سبأ اليهودي،


والصهيونية والماسونية بروافدها من علمانية وليبرالية واشتراكية ورأسمالية هي إبداع يهودي، ليديروا الرؤوس والأحداث طبقا لما يريدون.


صراع الحضارات:

الحضارة التي تكتفي بحدودها ولا تنفتح على الإنسانية جمعاء تموت،


لذلك صراع الحضارات الذي يصر عليه لويس هو لفرض فكرة مسيطرة عليه وهي أن الحضارات في صراع مستمر بينما الأصل هي أن تتكامل ولا تتصارع،


ولكن طبقا لمنطقه المعيب فإن وجد صراع بين الحضارات فإنها نذير بفناء البشرية،


والإنسان العادي بالفطرة وبغض النظر عن معتقده الشخصي فإنه أميل إلى هذه التكاملية بدليل أنه ليس لديه أي حرج من أن يتعاون في كل المجالات مع أي إنسان


حتى ولو كان مخالفا له في كل شيء،


لأن الضرورة هي التي تحكم، وهي موافقة لسنة الله أو لناموسه في هذا الكون،


وأوضح دليل على ذلك هو الاقتصاد، أو التعامل المالي أو سوق المال حيث أنه لا دين له والكل يحط رحاله حيثما وجدت المصلحة.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}


(13 الحجرات)


ولكن لأن العالم الآن يحكمه شياطين الإنس،فلن يكون هناك هذا السلام الاجتماعي الذي ورد في الآية.


البريء يتساءل:

لويس المستشرق، مهندس خريطة الدم يتساءل لماذا يكره المسلمون أمريكا؟ وبعد أن يسرد في إيجاز علاقة المسلمين بأمريكا،


فيقول أن المسلمين لم يعرفوا أمريكا إلا لمما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية


ولكن بعد انتشار السينما والتليفزيون وصعود نجمها وأفول انجلترا


وتفشي ثقافة وفكر ونمط الاقتصاد الأمريكي في العالم الإسلامي (عمدا وقسرا) عادى الأصوليون (كما سماهم)،


الذين يرغبون في العودة إلى الهوية والقيم والقوانين الإسلامية كي يستعيدا مجدهم الذي كان ولا يكونون تابعين لغيرهم،


ثم يقول أنه عداء غير مبرر خاصة وأنها لم تحتل بلادنا!!!


فقط هم يناصرون الكيان الغاصب لفلسطين، ويستمر البريء في البحث العفوي كي يطمس الحقيقة ويخلص كعادته إلى أننا المعقدون الحاقدون عليهم.


العلمانية والحداثة:

خلص لويس إلى أن الأصوليين في صراع مع العلمانية والحداثة، العلمانية باعتبارها شر تمدد إليهم من الغرب بعامة،


أما الحداثة فأنه وهو البريء لا يعرف لماذا يرفضون الحداثة!!


الحداثة كلمة براقة وخادعة، لماذا يرفضها المسلم الملتزم بتعاليم الدين؟ّ!


هذه المفردة أطلقت في أوروبا بعد عصر النهضة مباشرة وهي من صميم أدبيات العلمانية والصهيونية والماسونية،


لأنه بعد تجاوز مرحلة تسلط رجال الكنيسة، وفصل الدين عن الدولة،


كان ولابد من تأصيل الجديد الذي سوف يبنون عليه والذي يمهد لهم،


ودائما التعاليم الإلهية هي المعرقل والمعوق لخططهم

لذا أطلقوا علينا الحداثة والتي ملآت فضاء الغرب منذ 1916م


وهي تعني حياة الإنسان الجديدة التي يتحلل فيها من أي تعاليم دينية لأن هذا الإنسان لا يمكن أن يبدع في كل المجالات


وهو ينتهج الحياة العامة والخاصة بتعاليم إلهية منزلة بوحي على نبي أو رسول،


فالإنسان الحداثي يرسم حياته دون تدخل من الله، وإن لم ينصع الإنسان للتعاليم الدينية؛


فمن الطبيعي أن البديل سيكون تعاليم «لوسيفر» الشيطان وهذا مبلغ أمانيهم، لذا يسوقون مفردات براقة كي يتبناها العوام وهم لا يعلمون إلى أين هم ماضون.


ولأنني تعودت من برنارد لويس التناقض واللاموضوعية


فإنه يعود ليعترف بنفسه بعد زوال أعراض الدهشة الطفولية من وجهه وخلع ثوب البراءة الذي لا يناسبه:


“إن غريزة الجماهير الفطرية (المسلمون) في عزو المنابع الجوهرية لهذه التغييرات العنيفة والمفاجئة إلى الغرب،


وفي عزو سبب تمزق حياتهم القديمة إلى الهيمنة الغربية والتأثير الغربي والمثال والقدرة الغربيين،


هذه الغريزة ليست بالتأكيد أمرا زائفا”


يالها من سطور محت أسماء كثيرة لا تضع في عين اعتبارها سوى الغرب الذي أفسد بلادنا.


وللحديث بقية إن شاء الله




الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب مقالًا تحت عنوان "الإسلام الأصولي2" 




Share To: