الكاتب و القاص المغربي / عبد الله البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "سان شيطان" في دار "بن احساين" الجزء 2


 

الكاتب و القاص المغربي / عبد الله البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "سان شيطان" في دار "بن احساين" الجزء 2

بحفاوة فيها الكثير من الامتنان تقدم سان شيطان رفاقه وهو يقودهم إلى المكان الذي كان قد نظفه و بسط فيه بعض الأفرشة.

السجناء كانوا ينظرون للزوار بغرابة. فهم لم يتوقعوا جلسة كهذه، أو على الأقل ألا تتم في مكان كهذا. و يبدو أن الطعام الذي حمله الزوار ، و الذي كانت كميته تفيد أنه  أعد لعدة أشخاص قد لطف من مزاجهم و خفف من الأحاسيس التي يمكن أن يشعر بها شخص موقوف. أما بعد أن كشف الزوار عن ما حملوه من كيف و حشيش، فقد انسجم الموقوفون المدخنون كليا مع أجواء السهرة،  و التهموا كل ما كان فوق البساط. ثم بدأ العزف.  

العزف في مكان مظلم أو قليل الإضاءة له وقع خاص. هو أشبه بذلك التبادل الذي يتم بين أجسام ساخنة و أخرى باردة، إذ يبدو أن كل واحد يرغب في أن يقتحم و يسكن عالم الآخر، خصوصا حين يتمدد مفعول التخذير كدرج يرسم مكانة يتوهم من سيبلغها أنه سيطوي كل التاريخ الذي تركه خلفه، و يلقي به في لهيب الجحيم لتبدأ حياة أخرى مستوية بلا عقبات. 

سان شيطان لم يتعلم بالطريقة نفسها التي رفعت من شأن الآخرين. لكنه سلك طريقا مختصرا، إلا أن الثمن كان باهضا. و مع ذلك، فشأنه ظل هو هو ، لحد يتوهم أن وجهه كان أكثر ما حدقت فيه الأقدار العابسة و حفظت ملامح وجهه ، و خصته بالتعاسة التي يستحقها كائن صنفته  فائضا عن الوجود. 

آلام السياط التي تلقاها من المخزني* "بودرهم" تؤكد ذلك. لم تؤلمه الضربات، لكن الذي آلمه و أوجعه حقا كان تساؤله عن ذلك العناد و الاصرار الذي ابداه المخزني من أجل أن يلحق به أكبر قدر من الأذى. لا يذكر أنه جرت بينهما واقعة ما ترتب عنها بحثا عن ثأر. ثم إن المخزني كان يمكن أن يكون في نفس الوضع لو لم تجعله الظروف يرتدي زيا مخزنيا. هل المهم في هذه الحياة هو الأزياء التي يرتديها الإنسان؟ 

يستعيد على إيقاع وصلة غنائية جميلة كيف تغيرت أحوال رفاقه و ظل هو في المكان نفسه. لم يكن هناك فرق بينه و بينهم. بضعة أحرف لا تعتبر ضرورية من أجل الالتحاق بالجندية. لكنهم على الأقل في نظر الآخرين أحدثوا التصويب الذي رفع مقامهم إلى مصاف الأسوياء الذين يتودد اليهم الناس، و يطمح الكثير في مصاهرتهم. لكنه هو ظل في المرتبة نفسها.

لم تنفع كحول " ادريس الصنهاجي" المخصصة للموقد في إحداث التصويب. كان يشعر بطاقة هائلة حين يخرج ليلا إلى الشارع. و لم يكن يجد من شئ يفعله سوى أن يعترض المارة.  يطالبهم بأوراق تعريفهم. و حين يخاف الغرباء منه، يمتثلون لأوامره اتقاء لشره. لكنه كان يتقدم بعدها  باستفسارات كثيرة يهدف منها فتح باب عدوانيته التي تدفع الآخرين للفرار كي يلاحقهم، متعمدا عدم الامساك بهم. هروبهم كان يكفيه كي يشعر العالم أنه هنا. لكن عودة رفاقه المجندين  في إجازات كان تبدد هذا الإحساس. هو نفسه كان يظل ملتصقا بهم طيلة تواجدهم بالقرية. كان ينبهر وهو ينظر إلى الحمولات التي يعودون بها من البعيد. حقائب كبيرة محشوة بالسجائر و قنينات العطر. آلات التسجيل. ملابس. أحذية. و أموال كان يرى لها تجسيدا في الولائم التي كانوا يعدونها على طول الإجازة. و أهم من كل هذا الحفاوة التي كان يبديها الناس كلما طالعتهم وجوههم. 

مرات عدة حاول الالتحاق بالجندية. و في كل مرة كان يتم الكشف عنه، كان يرفض بسبب ضغط الدم العالي الذي كان يلازمه..... .

* المخزني : رجل أمن .





Share To: