الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب مقالًا تحت عنوان "الإسلام الأصولي (3)" 


الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب مقالًا تحت عنوان "الإسلام الأصولي (3)"



بعين إدوارد سعيد، المفكر الأمريكي، فلسطيني الأصل والذي يعيش في أمريكا منذ أن كان عمره خمسة عشرة سنة، ما يعني أنه لم ينشأ في حضن ثقافة إسلامية أثرت عليه على نحو ما، وهو أكثر موضوعية ومنطقية من برنارد لويس، هذا الأخير يكتب بعقل متآمر، بينما سعيد يكتب بعقل متحرر من البنود المدونة مسبقا ضد الإسلام والمسلمين، قد نختلف معه وهذا لا ضير فيه ولكن هذا لا ينفي موضوعيته التي عدمها مهندس خريطة الدم، خادم الصهيونية والماسونية.


يخلص سعيد إلى نتيجة هامة جدا ترسخت بصورة أو أخرى بفعل المستشرقين بالطبع، في نهاية القرن الثامن عشر إلى كون العالم ينقسم إلى قسمين، الغرب ويطلق عليه الأمريكيون عالمنا، والشرق وهو القسم الأكبر وينظر لسكانه بأنهم تخريبيون، ولأن الإسلام دين الأغلبية فإنه يتحمل النصيب الأكبر من كونه مرجعية التخريب الذي يزعمه المستشرقون الأفاقون بالدليل الماحق للأفك الذي يمارسونه دون خجل منذ الخطو الأول لهم في بلادنا وحتى اللحظة الراهنة باستثناء القلة القليلة جدا منهم التي تأبى عليهم عقولهم أن تغشي الشمس عيونهم ثم ينكرونها، تلك القسمة الضيزى هي التي جعلتهم ينظرون إلى الإسلام بنوع متميز جدا من العداء والخوف.


وقال سعيد نصا:


«ولا يغيب عن بال أحد أن الكثير من الدوافع الدينية والنفسية والسياسية تقف وراء هذا الموقف، لكن هذه الدوافع جميعا تنبثق من الشعور بأن الإسلام لا يمثل منافسا رهيبا فحسب، بل إنه يمثل تحديا متأخرا للمسيحية»


أما الغرب المسيحي

طبقا لتوصيفهم فقد رضع على أيدي قادتهم الدينين اعتقادا جازما بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو نبي كذاب داعية تفرقة عميل للشيطان وتهيمن عليه الشهوانية والنفاق،


يدعم تلك الفكرة ويؤصلها الفتوحات الإسلامية التي قام بها المسلمون الأول والتي هددت أوروبا لمئات السنين،


تلك الفتوحات انطلقت من جيوش تحمل في صدور جندها عقيدة الجهاد يرافقها ويتوازى معها انطلاق حركة الكشوف والمخترعات العلمية


دون قيد أو شرط مما دفع الباباوات إلى أن ينسبوا الكثير من المخترعات العلمية لأطباء وعلماء مسلمين إلى غيرهم وقد سبق أن تعرضت هنا بإسهاب في هذا الشأن خاصة.


أما الصورة الذهنية

التي رسمها الباباوات والمستشرقين فإنها متأصلة في الثقافة الغربية ومن ثم الوعي الجمعي من خلال مختلف أنواع الكتابات لديهم (رواية وقصة وشعر ومقال) والدراما والسينما والخطاب الإعلامي،


جميعها تصب في بوتقة واحدة لا جديد فيها ولا ابتكار يذكر، فالمسلم هو مورد للنفط غوغائي إرهابي متعطش للدماء،


في المقابل

فإن نفس الشيء تفعله نخبة العار التي زرعها المستشرقون وأصبحوا جيلا يسلم الجيل الذي يليه في بلادنا دون الحاجة لأن يقيم المستشرقون بيننا كما كانوا في مهدهم، فقد تخطوا تلك المرحلة،


ولا غرو من تصدر المشهد للمرتدين والفساق والزنادقة من أدعياء المثقفين أو الذين أضلهم الله على علم،


أولئك الذين إذا تم تناول شخصية المسلم الملتزم بالإسلام فإن الصورة لا تختلف مطلقا عن كتاب الغرب (الذين أكلوا وشربوا على أدمغتهم)الذين يلصقون كل نقيصة ومذمة في المسلم فقط،


أما غير المسلم بين أقلام هؤلاء (والذين هم بأسماء إسلامية) فإنه ملاك يكال له المدح والثناء الذي قد لا يقال إلا في نبي،وتضيق الصفحات والشاشات عن وصف صفاته وأخلاقه ومناقبه،


إنه إعلام بلادنا إعلام الرايات الحمر الذي يفرد الساعات تلو الساعات لسب الإسلام فقط وتابعيه، فلماذا نستغرب ما يعرضه هذا الإعلام،


ولكن أذكركم بأننا السبب لأننا أفرطنا وفرطنا ورضينا بالهوان تلو الهوان فعاقبنا الله بتلك الشرذمة الضالة والتي مافتئت تتقيأ علينا صديد عقولها.


ثم يعزي سعيد

مصدر قلق الغرب من الإسلام كونه متاخما لأوروبا أكثر من عقائد الصين والهند


لدرجة أنهم عندما ارتفع سعر البترول في سبعينيات القرن المنصرم


فإن الخوف التقليدي من الإسلام تجدد لدى الأوروبيين مرة أخرى،


وذلك لأنه لم يخضع لأوروبا خضوعا مطلقا من قبل.


 ورغم التلويح الآني من قبل روسيا والصين بقوتهما الصاعدة وطريق الصين الحريري،


فإنه طلبا لتوازن القوى قد تحدث تحالفات جديدة من قبل الغرب المسيحي مع المسلمين لمواجهة التنين الصيني والدب الروسي.


في عام 1980 قام (ف. س. ينبول) بإعداد كتاب عن الإسلام وقال:

«إن المبادئ الأساسية في الإسلام تفتقر إلى المضمون الفكري، لذلك لابد أن ينهار»


ورغم غموض وضيق العبارة فإن سعيد الذي فسر هذا التصريح بأنه يفتقد الكثير من الشروح إلا إنه يقصد به الحركات المناوئة للإمبريالية


التي قامت في العالم الإسلامي في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي كان ينبول يكن لها نفورا عميقا.


هذا الكاتب له روايتين عن الفساد السياسي والفكري الذي حدث في آسيا وأفريقيا وأوعز هذا الإخفاق إلى الإسلام وحده،


والحقيقة أنني بحثت عن هذا الكاتب فلم أجد له أي مطبوعة باللغة العربية ورقية كانت أو إلكترونية ولكني أثق في مصداقية إدوارد سعيد.


ولنا هنا حق الرد لأن الفساد الذي عم بلادنا سببه البعد عن الإسلام الذي ينسب إليه هذا الكاتب كل نقيصة.


أما كونه يكتب روايتين

يخلص فيهما إلى هذه النتيجة لهي الإشارة إلى المترسب في الوعي الجمعي لدى الغرب بعامة، ولدى المثقف أو الكاتب الذي يكتب رواية،


فنان، والفنان يعبر بشكل تلقائي وعفوي من خلال ما ترسب في اللاوعي عنده،


ما يعني أن هذا الفكر أصبح من المسلمات لديهم ويورثونه لبعضهم البعض،


في المقابل عندنا كما ذكرت آنفا فإن النخبة المتصدرة للمشهد هي امتداد طبيعي لهم، صنعوهم على أعينهم،


بوقهم الناطق بما يريدون بيننا، بل هم أكثر كرها منهم للإسلام والمسلمين.


ثم أوجز سعيد في القول

بعدم موضوعية تحميل سلوك فرد أو جماعة على الدين نفسه لأنه سيؤدي بالضرورة إلى كوننا كمسلمين سنفعل الشيء نفسه مع الغرب المسيحي،


فيصبح سوء فرد أو جماعة هو من سوء الدين نفسه،


وهذه موضوعية إدوارد سعيد التي يفتقر إليه الكثير،


ثم ينتهي إلى مغزى موجز وهام جدا إلى كون العداء بين الغرب المسيحي والإسلام هو عداء الغرب وليس المسيحية للإسلام،


وهو بذلك يعني أن الغرب يستخدم المسيحية نفسها كقومية مقابل الإسلام وليست المسيحية كدين،


وبذلك فإنهم هم أنفسهم من قزموا دينهم، لأنهم يرون أنفسهم أكبر من الدين نفسه!!


يستمر سعيد

في إيضاح كيف أن الصورة العامة عن المسلمين في الوعي الجمعي الأمريكي هي مغلوطة عن قصد أو عمد فلا يهم،


ولكنه أوضح الفرق بين أمريكا وأوروبا في الاستشراق على وجه التحديد،


إذ أن التناول من قبل أوروبا بعامة كان قائم على منهج علمي حقيقي من قبل مستشرقين علماء ومفكرين حقيقيين خاصة الرعيل الأول الذين كانوا معنيين بجدية


وإن اكتنفت كتاباتهم لي عنق الحقيقة في غالب الأحوال وتأثير التعلم في أروقة الكنيسة على آرائهم


التي ساقوها في كتاباتهم ولكن أفلت من قبضة التآمر المسبق البعض منهم ممن أنصفوا الحضارة الإسلامية بل والبعض منهم أشادوا بالدين نفسه،


والتأثر بالأدب العربي لدى بعض كبار الأدباء لديهم أيضا أمثال جوتة وتوليستوي ولوركا وبيركون وفلوبير وماسينيون.


على النقيض من أمريكا

فالاستشراق لديهم لا يعرفونه إلا لما وأن الأساتذة الذين عملوا بالجامعات الأمريكية هم أوروبيون


والذين أعقبوهم يكتفون بما قام به الأولون فتصبح دراساتهم نقلا عن نقل من آخرين لا تسلم كتاباتهم من الهوى،


والأمريكيون لا يقبلون على مثل هذا النوع من الدراسات،


وتظل الصورة النمطية ممتدة ومتجذرة دون تماس حقيقي على الأرض،


يستثني من ذلك المستشرق الأمريكي مارشال هودجسون الذي كتب مغامرة الإسلام في ثلاث كتب،


لذا فإنه لا يثار الحديث عن الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي إلا من خلال الحديث عن النفط، والإرهاب، وقمع المرأة!!


والفساد السياسي والاقتصادي من قبل إعلاميين يتناولون الأمر بصورة مسطحة


مما يساهم في تأصيل هذا اللغط في مختلف الدوائر ليصبح الأمر أكثر تعقيدا.


وبقي السؤال،

الاستشراق في الغرب هو عمل مؤسسي ضخم، يرد على مزاعم القائمين عليه فرادى منا فلماذا لا يقابل العمل المؤسسي بعمل مؤسسي من جهتنا؟


خاصة وهم يعملون كخبراء ومستشارين في دوائر صنع القرار في بلادهم،


وهذه هي الصفة التي يعرفون بها بيننا ولكن من المؤكد أن ما يفعلونه ببلادنا لن يكون إلا لخدمة الأهداف


التي انطلق من أجلها الاستشراق بالأساس وهي الاستعمار والتنصير بصور شتى مقنعة.


وللحديث بقية إن شاء الله





الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب مقالًا تحت عنوان "الإسلام الأصولي (3)" 





Share To: