الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "هل الله يحبك؟"
قد يتساءل أحد، لماذا يوجد غير مسلمين مُنَعَّمون في هذه الدنيا؟! نِعم الله وعطاياه ظاهرةٌ عليهم، قد يسَّر الله لهم سُبلًا للنجاح والإنجاز فمَلَكُوا الدنيا وقَادُوا العالم، رغم أنهم لا يؤمنون بالله ولا يقدُرونه حق قَدرِه؟!
لكن المَنطِق السَّلِيم يقول: إن كل تلك الأرزاق التي سِيقَت لأولئك الخلق، والتوفيق الذي حالفهم، ليس دليلًا على رضًا من الله عليهم ولا حبًا فيهم، لكنه من باب العدل والمسؤولية التي تقتضي أن كل من يبذل جهدًا يُجازى خيرًا على ما بذل وقدَّم. ومن يسهر الليالي ينَل العُلا، ولا يظلم الله أحدًا، فعناية الله تشمل كافَّة الخلق مسلمين وغيرهم، من يعبده وحده ومن يعبد البقر والشجر، وذلك من باب الولاية والمسؤولية. هذا المنطِق الرَّفِيع في التعامل بين الرَّبّ وخلقِه، يُذكِّرني بمشهد رائع للمُمَثِّل الأمريكي دينزل واشنطن، من فيلم (Fences) (الأسوار)، في المشهد حوار بين أب وابنه...
الابن: لماذا لا تُحِبُّني؟
الأب: أُحِبُّك؟! بحقِ الجحيم، من قال إنه يَجِبُ عَليَّ أن أُحِبُّك؟! وما القانون الذي يفرض عليَّ حبك؟
الابن: لا يوجد.
الأب: ألا تَأكُلَ كُلَّ يوم؟
الابن: نعم.
الأب -مقاطعًا-: طالما أنك في بيتي قل "سَيِّدِي" وأنت تَتَحَدَّث معي.
الابن: نعم سَيِّدِي.
الأب: لديك سَقْف فوق رَأسَك؟
الابن: نعم سَيِّدِي.
الأب: لديك ملابس على ظَهرِك؟
الابن: نعم سَيِّدِي.
الأب: ما هو السَّبَبُ برأيِك؟
الابن: بِسَبَبِك.
الأب: ولماذا تَعْتَقِد ذلك؟
الابن: لأنك تُحِبُّني.
الأب -مُتَهكِّمًا-: أُحِبُّك؟! أخرج كل يوم إلى العمل وأجتهد فيه لأني أُحِبُّك؟! أنت أكبر أحمق رأيته. إنه دَوْرِي، إنها مسئوليتي، يُفترض على الرجلِ أن يعتني بأسرتِه، أنت تعيش في بيتي، تملأ معدتك بطعامي، تضع ظهرك على سريري، لأنك ابْنِي، ليس بسببِ حبِّي لك! فهذا واجبي، أنا أعتني بأسرتي، هذه مسئوليتي تجاهك، ولا يَجِبُ عليَّ أن أُحِبُّك، مُدِيري في العمل لا يعطيني راتبًا لأنه يُحِبُّنِي، بل لأنه مَدين لي، لا تَعِش حياتك قلقًا بشأن ما إذا كان الذي أمامك يُحِبُّك أم لا، فقط عليك أن تتأكد من أنهم يفعلون الصواب تجاهك.
من هذه المقاربة يتبين أن معاملة الخالق جلَّ وعلا لكافة الخلق بشتى ألوانهم وأجنَاسِهِم ومعتقداتهم، تقوم على العدل المطلق، ولا فرق بين من أطاع ومن عصى، فالمَقَامُ ليس مَقام رضًا وحُبّ، بقدرِ ما هو استشعارٍ للمسؤولية. وفي مشهد الفيلم استهزأ الأب بابنه وهو يَربِطُ الرِّعَاية بالحب، معتقدًا أن ذلك هو السبب الوحيد لاهتمام أبيه به، وبذل المال الوقت لأجله. دَحَض الأب ذاك المعتقد عند ابنه، وحاول تَرسِيخ مفهوم "المسئولية" بدلًا عن "الحب".
الخلاصة:
إن الخلق كافة هم خلقُ الله، يُدبر أمرهم ويُدير شؤونهم جميعًا، من آمن به ومن جحد وأنكر وجوده، لن ينحاز الله للمسلم ويُهلِك الكافر في الدنيا، فقط لأنه كفر وذاك آمن. نعم، هو على خطرٍ عظيم، لكن الحساب يوم الحساب. أما في الدنيا فالكسب لمن سعى وجدّ، وآمن بمهارته وقدرته، وليس لمن آمن بالله وتواكل عليه، وجلس يتَبتلُ في سجادته يصلي ويطلب من الله المكاسب والمناصب، ولم يتحرك نحوها أو يسعى لها بجدٍ ليستحقها. فالله لا يُعجزه شيء وقادر على أن يسوق لك الطعام إلى فمك، ويملأُ خزائنك مالًا، وأنت مستلقٍ على فراشك، لكن ما لهذا خلقك، وإنما غاية وجودك الإعمار والإصلاح، والضرب في مناكب الأرض طلبًا للرزق. فالعبادة جزء من الدين لكن تمام الدين في العمل الصالح والمعاملة الحسنة.
الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "هل الله يحبك؟"
Post A Comment: