الأديب التونسي / رضا العياشي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "يوم الامتحان" 


الأديب التونسي / رضا العياشي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "يوم الامتحان"


 أَسْـرَع الخُطَى و هو يحمِلُ الظرف ... في الرواق الطويل تراءى لَـهُ دخول التلاميذ إلى القاعات في حين آثَـرَ بعضهم التَـمَـتْـرُسَ أمامها لاستِجْلاء مَلامِـحَ القادم الجديد... يتنفّسون الصُّعَـداء كلّما تجاوز قاعتهم أحدُ الأساتذةِ الذي سبقته شهرته في الشدّة و الحزم و عزمه الدؤوبِ لوأد أي محاولة غشٍ في المهدِ - " الرحمة لا"...  و كثيرا ما تفضحُ الابتسامات والتهاليل التي تعلُو سحنات الوجوه و هُـم يتهامسون، مستقبلين بعينِ الرِّضَا المُراقب الذي يتوسّمون فيه خيرا ، فـقـد خَـبِـرُوا "حِنيّته" ، و "حلّانه للعب"... 

دخل القاعة، وسط مَـوْجةٍ من السَّـخَـطِ لا يمكن أن يُخطئها الحدسُ، فتُصَدِّقُـهَـا الهمسات و الزفرات المنبعثة من هنا ، أو الحركات المتشنّجة من هناك ،هم طائفة من التلاميذ، أعيتها الحِـيَـلُ، فَـبَـيّـتَـت بعض صنوف الغشِّ لِـتَجاوُزِ ما استعسر حلّه من مسائل، أو حِـيـلَ دُونَ استحضارِهِ من مفاهيم و مكتسبات... 

وزّع أوراق التحارير، وعاد إلى برج المراقبة: طاولة علاها غبار تسرّب من زجاج مكسور لنافذة محاذية... على السبورة درس رياضيات غفل الأستاذ عن محوه . دخلت قطّة رمادية تئنّ بحملها إلى القاعة.. خَشِيَ أنْ يُـفاجِأها المخاضُ، فحاول إخراجها ، طاردها ، مراوغات عدّة تفننت القطة المُـثْـقَـلَـةُ في  القيام بها ... بعد لأي تمكّن من الإمساكِ بهَا و سط جلبةٍ حاولَ البعضُ استغلالها.. 

بجوار النافذة المكسور بلّورها و حيثما صوّبت عَـيْـنـيـْك على جدر القاعة، و فوق مقاعدها، رسوم و كتابات تؤرّخ لعشق و حب ، لحلم وأمل ، لخيبة و مرارة ... قواعد رياضية و فقرات مجتزات من دروس استعصى تذكّرها... تفاجأ عندما بدرت منه التفاتة إلى سقف القاعة، بالكمّ الهائل من الأوراق الملفوفة ذات شكل مخروطيّ ملتصقة بالمكان. كان يوما قائظا لم تفلح المروحة المعلّقة في سقف القاعة من تلطيف الجوّ، بل زادت في تعكير صفو الهدوء السائد بما يصدر عنها من صوت احتكاك تفاقمت حدته فجأة فبات صريرا مقذعا ، حتى انّ تلميذة تجلس قبالتها مباشرة استأذنت لتغيير مكانها خشية سقوط المروحة - و ما يدريك أنها لن تسقط على رؤوس الأشهاد-  ابتسم وهو يتذكر " المراوح بوذروح" التي كان يبتاعها " الباجي ماتريكس" ب" اخ- تف" و التي تتوقف عادة عن الدوران و ينبعث منها دخان بعد فترة قصيرة من تشغيلها. ابتسامة، شجعت أحدهم على الاقتراب منه و الاستئذان - على استحياء- بالمغادرة لقضاء شأنا طارئا. يمر الوقت بطيئا، لمح في عيون بعض التلاميذ استجداء ثم يأس  ليتفاجأ بخروجهم المبكّر ...

هل أنَّ الامتحانَ سهلٌ إلى هذا الحد !!!؟ تساءل و هو يُـفْـرغ في جوفه ما تبقى من قارورة الماء بعدما جفّ منه الحلقُ و أُوغِـر منه الصدرُ وهو يرى جحافل التلاميذ تتسابق إلى مغادرة القاعة ، تعيد الأوراق في لا مبالاة إلى الأستاذ و كأنها تتخلّص من حمل أثقل كاهلها فأنهكها. تساءل ثانية بمرارة : رباه ماذا ألمّ بهذا الجيل !!! ؟؟ ليستدرك ،لا تثريب عليه، فهو بلا شك ضحية لمنظومة نَخَرَهَــا السُّوسُ  فَـتَـآكـلَت .

 زملاؤه في القاعات المجاورة أنهوا مهمّاتهم باكرا و مرّوا به في طريق عودتهم لتسليم التحارير إلى الطرف الإداري ... أما هو فقد واصل البقاء إلى أن دقّ الجرس إيذانا بانتهاء الوقت ... فقد آثَـرَ أحَـدُ التلاميذِ البقاءَ إلى آخر لحظة رغم أنّه قد أتمّ الإجابة عن أسئلة الامتحان قبل نصف ساعة... 




الأديب التونسي / رضا العياشي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "يوم الامتحان" 



Share To: