الشاعر المغربي / علال الجعدوني يكتب مقالًا عن فاس العالمة
فاس التاريخ ، فاس الحضارة ، فاس منطلق الدولة المغربية في شمال إفريقيا ، فاس التي كانت مهد العلم ومعبر رئيسي بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ، فاس المدينة التي لمت شمل المغاربة أمازيغ كانوا أو عرب ، واستقبلت أجناس متعددة ، أفارقة وأندلسيين ، عرفت توسعا معماريا عبر تاريخ سلاطين المغرب ، بها أول جامعة تعلم في أحضانها العشرات من العلماء من مختلف الأقطار العربية والغرببة ، تفقهوا في الشرع الإسلامي وفي علم الفلك والرياضيات والهندسة المعمارية والطب والفلسفة الإسلامية والأدب العربي والحديث يطول ويطول ...
لقد بقيت مدينة فاس صامدة في وجه كل العواصف حتى أصبحت مزار عالمي بعدما داع صيتها في سماء العلم والفنون بأشكالها المتنوعة ، وليس هذا بل تطبع سكانها بطابع خاص ، ميز المدينة عن جميع المدن المغربية الأخرى حتى أصبحت فاس منارة الحضارة الإسلامية بصفة عامة ، وخير دليل هو المآثر المتنوعة الموجودة بكل رحاب فاس سواء في جنوب المدينة أو شمالها بالإضافة إلى القصور والرياضات المزخرفة بنقش ما زال صامدا في وجه الزمن لحد الساعة ، ومن أراد الاطلاع على ذلك فلينزل للمدينة القديمة ليستمتع بالجمال المعماري وبطبيعة تركيبة المدينة الجميلة ...
في بداية القرن العشرين ، عندما استغلت الأطماع الخارجية ضعف المغرب ، فرضت الحماية بأسلوب الاستعمار الفرنسي والإسباني ، توسعت مدينة فاس بالطريقة التي أرادها المستعمر فأسست المدينة الجديدة خارج أسوار المدينة العتيقة على شكل الطابع الفرنسي حيث كانت مدينة خاصة بالفرنسيين والذين يعيشون على طبيعة الغرب لتظهر بها مرافق تخدم الطابع الفرنسي ... لتتحول من مدينة تقليدية إسلامية إلى مدينة شبه غربية معتدلة كي لا تفقد طابعها الفاسي التي حملته معها عبر التاريخ المتلون بسياسات تخدم أجندة السلاطين التي حكمت المغرب الأقصى( المغرب حاليا) والمغرب الأوسط (الجزائر حاليا) والمغرب الأدنى ( تونس حالياً) ...
لقد كانت فاس مدينة يضرب بها المثل ، والكل كان يتمنى أن ينتمي لفاس ،حتى المغرب سمي باسم فاس عند أهل الشرق و كذا مراكش ....
لقد عرفت مدينة فاس تطورا كبيرا في كل المجالات الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لهذا نقرأ أن اليهود استقروا بفاس وتعاطوا للتجارة واندمجوا مع الفاسيين حتى أصبحت فاس وجهتهم الرئيسية ، ومنهم تعلم بعض الفاسيين فن التجارة ليتحكوا من بعد في الإقتصاد المحلي والوطني والعالمي ...
حتى العائلات المتحكمة في دواليب التدبير الفاسي معروفة تاريخيا ، ولو أنها في الوقت الراهن بدأت الأمور تتغير بنسبة لا بأس بها ....
وبالرجوع إلى الاستقلال تحولت فاس ليركب على تدبير شؤونها عائلات معروفة ، وهكذا ستصبح فاس فيما بعد بقرة حلوب لبعض العائلات المتحكمة في زمام الأمور ، وهذا ما يحكيه تاريخ المدينة وما هو متداول عند أهل فاس مولدا ونشأة ومعايشة لتصبح فيما بعد على الطابع الموجودة عليه حالياً بعدما حج إليها جل سكان الضواحي لتتوسع بطريقة مدهشة لتصبح مدينة كل القبائل المجاورة ولكل النازحين من الجنوب والشمال . ومن يقرأ تاريخ الأحياء الجديدة سيندهش عندما سيكتشف أن سكان فاس الحقيقيين انتقلوا للدار البيضاء وهاجروا لفرنسا والسينغال واسبانيا وكندا وأمريكا الشمالية وغيرها ، ولم يبق سوى النازحون من أهل البوادي المجاورة ، وهم اليوم الذين يتدبرون الشأن العام لمدينة فاس ....
لقد تغيرت الموازين ولم تبق فاس هي فاس ، وحتى العقلية عقلية تحمل فكرا ذو طابع خاص ممزوج بين التقليد والتجديد ، بالإضافة إلى التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العالمية بحيث اختلطت الأوراق ولم تبق محبة الساكنة لفاس كما كانت زمان ، بمعنى لم يعد للساهرين على الشأن العام لفاس في خدمة فاس بالأسلوب الوطني الذي تعلمناه يوم كانت الوطنية تجري في دم كل مواطن .
هذه هي فاس في ورقة جد مختزلة ليطلع عليها كل من يعشق فاس العالمة ويدلي بملاحظته .
الشاعر المغربي / علال الجعدوني يكتب مقالًا عن فاس العالمة
Post A Comment: