فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "صَدَقَةُ المَاءِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ"


فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "صَدَقَةُ المَاءِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ"

 


عِنْدَمَا يَشْتَدُّ الْحَرُّ تَعْظُمُ قِيمَةُ المَاءِ وَلَا شَيْءَ أَلَذَّ مِنَ المَاءِ الْحُلْوِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ ؛ وَلِذَا رغب النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ فِي إتباع سُنَّتِهِ بِالشُّرْبِ يَوْمَ الْعَطَشِ الْأَكْبَرِ مِنْ حَوْضِهِ الَّذِي وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ : 


مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا .


رَوَاهُ الشَّيْخَانِ


وَفِي الْجَنَّةِ أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍجعلنا الله وإياكم من أهلها .


وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ بَعَثَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرِسَالَةٍ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ نَبِيِّهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ : 


يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ .


رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ


فَلَأَهَمِّيَّةِ المَاءِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ ، وَلَذَّتِهِمْ بِهِ حَالَ الْعَطَشِ ؛ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَوَصَفَهَا وَذَكَرَهَا الْخَلِيلُ فِي وَصِيَّتِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ؛ وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَافَ حَوْضِهِ فِي المَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَخُصَّ الصَّائِمُونَ الظَّامِئُونَ بِبَابِ الرَّيَّانِ فِي الْجَنَّةِ .


وَإِذَا عَظُمَتْ حَاجَةُ الْبَشَرِ لِشَيْءٍ كَانَ بَذْلُهُ لَهُمْ أَنْفَعَ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ وَأَعْظَمَ الْقُرَبِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَالمَاءُ أَهَمُّ شَيْءٍ لِبَقَاءِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ بَعْدَ الْهَوَاءِ ، فَكَانَ فِي بَذْلِهِ إِحْيَاءٌ لَهُمْ كَمَا أَنَّ فِي مَنْعِهِ عَنْهُمْ هَلَاكًا لَهُمْ .


وَلِذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَذْلُ الْمَاءِ وَكَانَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ مَنْعُ فَضْلِ المَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ شُرَكَاءُ .


وَمَنْعُ المَاءِ عَنِ الْحَيَوَانِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ إِثْمُهُ عَظِيمٌ وَقَدْ دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْ عَنْهَا المَاءَ وَالطَّعَامَ حَتَّى مَاتَتْ .


فَكَيْفَ إِذَنْ بِحَبْسِ المَاءِ عَنِ الْإِنْسَانِ ؟ 


إِنَّ سَقْيَ الْعَطْشَانِ مِنْ خَيْرِ الْأَعْمَالِ ، وَصَدَقَةَ المَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَاتِ كَمَا جَاءَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :


أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : 


يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا ؟ 


قَالَ : نَعَمْ ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ .


وَكَانَتْ بِئْرُ رُومَةَ لِيَهُودِيٍّ يَبِيعُ مَاءَهَا لِلْمُسْلِمِينَ  فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ .


فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


مَنْ يشْتَرِي رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوَهُ فِيهَا كَدِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ .


فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَوْقَفَهَا عَلَى المُسْلِمِينَ .


وَعَنْ عَمْرَوِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : 


إِنِّي أَنْزِعُ فِي حَوْضِي حَتَّى إِذَا مَلَأْتُهُ لِأَهْلِي ، وَرَدَ عَلَيَّ الْبَعِيرُ لِغَيْرِي فَسَقَيْتُهُ ، فَهَلْ لِي فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ ؟ 


فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ


وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :


عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :


مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلَا إِنْسٍ وَلَا طَائِرٍ إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .


رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ


قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : 


سَقْيُ المَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللهِ تَعَالَى .


وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ : 


مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ المَاءِ .


وَقَدْ غُفِرَ لِبَغِيٍّ بِكَلْبٍ سَقَتْهُ مَاءً .


كَمَا جاء عن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :


وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي سَقْيِ المَاءِ إِلَّا قَوْلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : 


يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي .


قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ .


قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي .


رَوَاهُ مُسْلِمٌ


صَدَقَةُ المَاءِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَسَقْيُ الْعَطْشَانِ أَبْلَغُ مِنْ بَذْلِ المَالِ سَوَاءً كَانَ الْعَطْشَانُ إِنْسَانًا أَمْ حَيَوانًا أَمْ طَائِرًا .


وَهُوَ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَلَكِنَّ نَفْعَهُ كَبِيرٌ وَأَثَرَهُ عَظِيمٌ .


وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


إِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ .


فَكَيْفَ بِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهَا بِئْرٌ سِوَاهَا فَيَشْرَبُ أَهْلُهَا مِنْهَا وَيْطُبُخُونَ طَعَامَهُمْ بِمَائِهَا وَيَسْقُونَ أَنْعَامَهُمْ مِنْ حِيَاضِهَا .


وَكَيْفَ بِمَنْ أَوْقَفَ بَرَّادَةَ مَاءٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ طَرِيقٍ فَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِهَا شَرِبَ مِنْهَا وَيَجْرِي أَجْرُهَا مَا جَرَى مَاؤُهَا وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْهَا .


ولا ننسى البهائم والطيور فَوَضْعُ المِيَاهِ لِلطُّيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ الضَّالَّةِ فِيهِ أَجْرُهُ ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرًا .





Share To: