الشاعر المصري / جلال محمد عبد اللطيف يكتب قصيدة تحت عنوان "خريف العمر"
سيَـقْضي بنا ما يـشاءُ القــدرْ
تــمرُّ الحــياةُ ويَفْــنَى العُــمُرْ
وتفنى الفُــتُوَّةُ والعقــلُ يَفْنَى
وذاك الجمالُ الذي قدْ سَــحَرْ
ويَزْوِي حماسٌ ويُنْسَى رجاءٌ
ويَبْلَى الشبابُ وعَــهْدٌ نَضـِرْ
تَصِـــيرُ المشاعرُ يومًا هباءً
كــذاك تمــوتُ بناتُ الفــــكرْ
ويســكنُ فينا حَنينُ السُـهَادِ
ويَخْبو ضِــياءٌ بــدا وانتشرْ
ويُطوَى الزمانُ سريعا وتَمْضي
كطــيفِ خـــيالٍ حياةُ البــشرْ
إلى حيثُ كانَ سَنُفْضِي ونَمْضِي
إلى أنْ نلــــوذَ بــدارِ المَـــقَرْ
وتَبْكي عَلَيْنا عيونٌ ويُروَى
وفـــاءً إلينا جمــيلُ الـــذِكِرْ
ويَحْــكِي لأبنائنا عـن زمانٍ
كــتابٌ مليء بشَـتَّى العِــبَرْ
***
إذا ما رجــعتُ إلى ذكـــرياتي
ستـــبدو الطــفولةُ حُلمًا عبرْ
فـــذاك زمـــانٌ خليٌّ بــريءٌ
قلــيلُ المـعاركِ سَــهْلُ الظَـفَرْ
فــإما لعــبنا ولـــسنا نُـــبالي
وإمــا عَــــمِلنا فلا نضَّــــجرْ
أَحَـبُّ الرياضةِ بين الصِحابِ
مِرَاسُ المَخاضةِ تحتَ المطرْ
وتــلك الحــقولُ نشـمُّ نسيمًا
نرى في الليالي بضوء القمرْ
ألـــذُّ الأغـــاني أرقُّ نشـــيدٍ
غــناءُ البلابلِ فــوق الشـجرْ
وأما الدروس فسهلٌ بسيط
على مثْلِنا أو خَـــلا مِن كَدَرْ
***
وعهْدُ الشبابِ جِهادُ الحياةِ
و قلبٌ مُحِبٌّ وجَفْنٌ سَــهِرْ
ودنيا نـراها بعينِ الجــمالِ
فصارت كـحُلمٍ نما وازْدَهَرْ
وخطْوًا مَشْيْنَا بقلبٍ جَسُورٍ
وفِــكرٍ ثَرِيِّ الجَــنَى مُبتكَرْ
ولمَّا حَــمْلنا هـــمومَ العبادِ
وفي الناسِ قومٌ جناةٌ وَشَرْ
سألنا الحقوقَ وقُدْنا الشعوبَ
وقُلـــنا كَــفانا سُـكوتًا يَضُرْ
سلكنا سبيلا شديدَ الوعور
وقفنا صُمودا بوجه الخطرْ
إلى أن ملكنا قيادَ الأمـور
فقالتْ حَــذارِ وأقْصَى الحَذَرْ
فَمَا إنْ غَــدوْنا نُبيدُ الظــلامَ
ونَمْحو بقـــايا لعـــهدٍ قَــذِرْ
شَربنا كؤوسَ الخيانةِ غدرًا
وصِرنا ضحايا طـغاةِ البشرْ
***
وتَرْسُــو الحياةُ بنا أو تَمِيدُ
إلى أن بَلغنا خـــريفَ العمرْ
يقول أخي في الشدائد صبرًا
فقــدرُ الكبيرِ صِـــعَابٌ كُـبَرْ
وخيرُ الحياةِ حياةٌ قَضَاها
صــديقُ الوفاءِ عــدوُّ الغَدِرْ
وعاشتْ بلادٌ وماتتْ أناسٌ
وحُـسْنُ المقالِ تــراثٌ أَغَرْ
كذلك كانتْ حظوظُ قضاها
كثيرُ الرضى وقليلُ الضَجَرْ
فـــيا مُبْـتَدَانا نَســيرُ إلـيك
إيابًا ولــيس لنا مِن مَــفَرْ
سيقضي بنا ما يشاءُ القدرْ
تــمرُّ الحياة وحَـتما تــمرْ
.
Post A Comment: