الأديبة المغربية / سعيدة الرغيوي تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "ٱلْهاربون من ٱلْإطار" 


الأديبة المغربية / سعيدة الرغيوي تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "ٱلْهاربون من ٱلْإطار"


...

توقف أحمد عن ٱلْكلام ..رتب جنونه،حمقه، وأعلن عن ثورة من كلام وسياط من لعنات وخزي وعار ..

تبعه " علي" ..مرددا :" ما بالكم في هذي ٱلْمدينة كما ٱلزوار لاتبدون سخطا ولا حراكا ..هل تعودتم على لغة ٱلْخنوع وٱلاستسلام ..ٱلضّيم ..ٱلضيم قد طغى وٱلسَّيْل جارفٌ جبار.!!

سأحملني بعيدا عن جماجم ٱلْبلهاء ..قد ٱعتادتم على نسج خيوط ٱلسراب وٱلْأوهام في مقاهي ٱلْبؤس يا أصدقاء ..هبوا قد تعب منّا ٱلْمكان ..كل شيء هنا يصرخُ ..يعلن عن موت وعن سياسة ٱلْبوار ..ونحن ..نحن منذ زمن نربي ٱلْوهم ..نقايضُ ٱلْوقت ..!!.

أجال بصره في كل ٱلزّوايا ..صمت أشبه بصمت ٱلْقبور يهيمن ..لاشيء يشِي بٱلْحياة ..ٱلْوجوه حالكة ..ٱلْأيدي عاجزة ..ٱلْأصوات مكتومة..ٱلْعالم يصير إلى ٱلْعدم ..

(...) ٱنتقل إلى ٱلواجهات ٱلتي تبدو أكثر شحوبا ..حاوية ٱلْقمامة تكاد تقفز من حيزها ..تسبح في ركام من ٱلْمتلاشيات ..أوراق وقنينات فارغة وبقايا ٱلْمستوصف ٱلْقريب تزحف ..إبر حقن ..قنينات دواء ..حزمات من أسلاك ووو..وقط هرم يتمرغ وسط هذي ٱلْفوضى محاولا أن ينجو بجلده ..يبدو أنه قد أصيب بعدوى نتيجة ٱحتكاكه ٱلْيومي بهذي "ٱلجوطية" ٱلتي نمت وسط ٱلْحي ٱلهارب من ٱلْإطار..

ٱقتربت سيدة سبعينية منه، وبدأت بتوزيع ٱلحصيص ٱليومي من رؤوس ٱلدّجاج ٱلذي ٱعتادت ٱلْحصول عليه من جزار ٱلْحي ٱلْمغلوب على أمره ..إذ لا طالما ألهبته صواعق موت ٱلعديد فراخ ٱلدّجاج ..فتكون زكاته أن يقدم قوائمها للاّحادة ٱلتي ٱعتاد على زيارتها كل صباح ..

ها هي تقترب، وقد تكبدت عناء جر عربتها ٱلتي صنعتها من محفظة قديمة ووضعت لها عجلات مستعملة ..وحدها هذي العربة ٱلْمجرورة تشعرها بكينونتها ..إذ تحس أنها ماتزال قادرة على حمل ظلها ٱلْمُنْهك من وعثاء ٱلْحياة وكرور ٱلزّمن..حادة أو للاّحادة لقبها في هذا ٱلْحي مذ غادرها زوجها إلى وجهة غير معلومة وفقدت ٱبنها ٱلْوحيد في حادثة سير ..لم تعد تنصت إلاّ لنداء خفي ..تجر ٱلْعرَبة وتردد : (( ..أنا قادمة ..لن أتأخر عليكم ..نحن مجانين هذا ٱلْعالم نُنصتُ لأوصاب بعضنا ..نعي جيدا أصواتنا ٱلمتشابهة ..موسيقانا واحدة ..نعم ..نعم ..لن أتاخر عن كل واحد منكم ..أعرف ٱلطّريق ..إنني أنصتُ جيدا لتلك ٱلْموجات ٱلتي تناديني ..لم تعد حادة تثير ذهول أطفال ٱلْحي ..لقد ٱعتادوا عليها ..كلما أبصروها ٱبتسموا ..ورددوا:  إنها أمّنا حادة لا تهلعوا ..هي لا تؤدي أحدا ..هي حتما متوجهة نحو موجاتها ..إنها تقترب من ٱلْأصوات ٱلتي تشبهها ..)).





Share To: