الكاتب والقاص المغربي / عبد الله البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "المتنبي الأخير"


الكاتب والقاص المغربي / عبد الله البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "المتنبي الأخير"

 


ظلت المدن بعد الحقبة الاستعارية محتفظة بسحرها. و شكلت الحياة فيها عامل جذب . و كان الشباب هم أكثر من تأثروا بذلك لحد أن الكثير منهم شدوا الرحال إليها للاستمتاع بما تزخر به من متع، و ما تتيحه من فرص شغل. 

لم يكن من المفاجئ أن يشد الرحيل هو الآخر إلى المدينة. حتى و إن كان والديه قد أعداه لأمر آخر من خلال حرصهما على حفظه للقرآن. و لم يواجه أي اعتراض بعد تمكنه منه. أو مبرر يثنيه عن الرحيل. 

لم يغرق في حياة الملذات كما فعل الكثيرون. بل كد و اجتهد و استطاع في ظرف وجيز من أن يحسن وضعه. و مع الوقت صار له دكانا. و بعدها اشترى دراجة نارية من أجل تسريع وثيرة أنشطته  و تنقلاته. و كان أن صدمته سيارة لينقل مباشرة إلى مستودع الأموات.

في إحدى الزيارات التفقدية لمستودع الأموات. ارتاب طبيب في أمر احدى الجثث. و عمل على نقلها  من أجل اجراء عملية إنعاش.  و بعد أيام زار الطبيب  المصاب ليجده قد استعاد وعيه فقال له: أنت معجزة.

قال : كيف؟

رد الطبيب: لقد كنت في عداد الموتى و عاودتك الروح.

عقب من غير تحفظ؛ إذا أنا نبي. و العلم يشهد بذلك.

كانت الإصابة بليغة. و هي إن لم تكن قد أجهزت عليه، فقد أثرت بشكل جلي على قواه العقلية. و هي إن جعلته ينسى كل ما فكر في إنجازه من قبل، فتصريح الطبيب ظل بالنسبة له وفق ما تفيده الكلمات. و أنه أصبح منذورا لأمر  آخر.

حين غادر المستشفى، اجتهد كثيرا في أمر نبوته. إذ زعم أن جبريل حين حمل إليه الكتاب. وجده نائما. و أن  أباه سطا على الكتاب و أودعه حفرة عميقة شيد فوقها عمران بيته. و أن عليه في أول خطوة، أن يجمع الأنصار و القيام بمسيرة  لهدم البيت و استعادة الكتاب.

لم يترك سبيلا لم يسلكه. و لا مدينة لم يصل إليها و خصوصا العاصمة. فقد كان يمني نفسه بلقاء الملك و عرض الأمر عليه.  و ما شجعه على كل هذا، هو تمثيليات الشباب  الذين كانوا يتمظهرون بمظهر المؤمن بنبؤته و المدافعين عن رسالته، في حين أنهم كانوا يجدون الأمر مجرد تسلية تساعدهم على ملء أوقاتهم الفارغة.

بالعودة إلى موضوع الحكاية ، فقد حدث ذات ليلة صيفية أن كان المتنبي وسط حشد من الشباب الذين كانوا يستفسرونه عن بعض القضايا انطلاقا من رؤية رسالته. و لحظتها مر شخص كان في تمام الثمالة.  توقف للحظات يتأمل و يتابع المشهد. و بعدها تقدم نحو المتنبي و قال له: ألم يجد الله غير أهبل مثلك كي يحمله رسالة إلى البشر؟

غضب المتنبي و هم واقفا. لكنه تلقى لكمة قوية أوقعته أرضا.  و بعدها التقط جلبابه ووضعه على كتفه و غادر المكان .

غير بعيد عن مكان الحادثة، اشتبك السكير مع شخص قوي كان يدعى " بوزيد"  لكنه كان هذه المرة هو الضحية. إذ تلقى ضربا مبرحا.

حين حضر المتنبي في الصباح. جرى إليه الفتية ليخبروه ما حصل للمعتدي عليه.  

أدخل الخبر السرور على قلب المتنبي و قال معلقا و بصوت تردد في أرجاء الشارع:  و سلطنا عليه بوزيدا " .






Share To: