الكاتب المصري / محمد السعيد يكتب :مرثية من الزمن المفقود


الكاتب المصري / محمد السعيد يكتب :مرثية من الزمن المفقود


كانت خطوتي سريعة كمن يخشي أن يفوته ميعاد قطار ،او كمثل حركة الناس في الشوارع بعد صفارات الإنذار!. أول شارع النبي دانيال ليس كأخره، أدخل غير عابيء بالدكاكين علي الصفين ،حتي أصل لباعة الكتب القديمة الموضوعة علي الرصيف حينها أتوقف قليلاً،وتهدء خطوتي تدريجياً !. توقفت عشرات المرات ،ربما أكثر .. مئات،لكن لا أذكر أنني إبتعت أكثر من مرتين أو أربعة مرات !.لذلك إلاصفرار والشحوب الذي يصقل الكتب القديمة جاذبية خاصة.الباعة ينظرون إلي ، دائماً ،بصبر ورحمة .لكن يبدو أن هناك ما هو أهم ،علي الأقل، الآن ،تلك اللحظة الخاطفة ،خلف ذلك السور ،بين هؤلاء الواقفين علي بوابة المركز الثقافي الفرنسي. هم أيضاً،علي ما يبدو، يرأفون بحالي .في الداخل ينتظرني ماكس العامل اليوناني الأصل بصلعته،  وإبتسامته المحبة ،ونظرته المعجبه بي .كنت ذو شعر أسود لامع طويل،وكنت ،كما قال لي ماكس ذات مرة ، أشبه الجزائرين ،وكان يعجبني جداً هذا التشبيه. أتحدث معه الفرنسية بإستمتاع غريب ، كأني أتحدث في الإسكندرية القديمة ،وكنت أطلب منه، أيضاً، أن يعلمني قليلاً من الإيطالية...سبيتشولي بر فافورا ....  إيو سونو ايجيتسيانو .....كان قصيرا ذو عينين واسعتين، وأنف أفطس ،وفم كبير .

هذا السقف مرتفع جداً،لم أسأل،ولامرة ،عن المالك الأصلي،لهذا القصر ،هل هو باشا من باشوات العصر البائد؟ ،لكنه السحر ،سحر الأماكن. هنا سمعت لأول مرة عن بخيل موليير ،عن بلزاك وبروست . 

هذا الأسبوع ستعرض أفلام المخرج الكبير كلود لولوش ،كما أن الأسبوع الذي يليه كوستا جافراس ،وندوة حول فيلم z، وأداء جون لوي ترنتينيان المتميز .

الآنسة داليا جميلة فعلاً،تبدو كعروس خرجت الآن من علبة الهدايا لتزف في القصر . تتقن الفرنسية أكثر مني ، شئ ما يشدني إليها، هي سر غامض ، أريد أن أعرفه،كما  أنني لا أريد إلاقتراب منه! . أعطتني في حفلة  مسيو جون مسئول الأنشطة الثقافية عودا بخور لأشعلهما ....حماده ..حماده خذ ... لكن كان يكفي أن امررهما علي جسدي ليشتعلا ،,!... أحبك لكن لا افهمك...كما أنني،وكما لا أعتقد أيضاً،لا أفهم نفسي! . الإسكندرية تلفظني من أحشائها !. لماذا تركتيني وحدي ؟




Share To: