باحث السوسيولوجيا المغربي / محمد أفارس يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "ذاكرة المكان" 


باحث السوسيولوجيا المغربي / محمد أفارس يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "ذاكرة المكان"


لم أكن أعلم أن للمكان ذاكرة أو أن الماضي سيعود بحقيبته يوما ما حاملا بداخلها كل تلك الذكريات حية.. ولم أكن أستوعب السنة الضوئية.. لكن في لحظة واحدة.. وبسيف نظرة بعثت في قلبي 10 سنين من ذكريات الماضي كأنني عدت إليه وليس هو من لحق بي.. عاد ذلك الطفل يصرخ بداخلي بخجله المعتاد وبغبائه.. رغم أنني تغيرت كثيرا واصبح الشعر مبعثرا على وجهي وحتى فكري تغير كثيرا.. ظننت أنني دفنت كل شيء بهذا التغيير لكن يبقى المكان حاملا لكل ذكراياته.. وفي أية لحظة  تنموا النار من الرماد.. هي أيضا لم تعد كما كانت تغير كل شيء في شكلها لكن نظرتها وصوتها بقي صامدا أمام الايام يرفض بعناد أن يفقد تلك النبرة رغم جميع التغيرات.. بعد سنين من الغياب إلتقينا صدفة على متن نظرة خاطفة في الظلام.. نظرة رحلت بالكاتب والمفكر والذكي والقوي الذي  كنت عليه.. واحضرت ذلك الطفل الذي ظننت أنه رحل عني وضاع بين الصفحات.. ذلك الطفل الذي كان يمزج اللغات.. ويحلم أحلاما بلا سقف.. هكذا عاد الماضي في لحظة ورحل.. لا أدري هل سيعود مجددا مع ذلك الطفل الذي رغم عيوبه أحببته.. واليوم بعد أن علمت أن للمكان ذاكرة أصبحت أسأل تلك الصخرة الكبيرة هل باح لها اي أحد بسر منذ اعوام خالت أو همس لها بشيء بسيط يثبت أن الطفل لم يكن على خطأ.. وأن أحلامه المرسومة لم يكن ينقصها إلا الالوان.. لم أكن أتوقع ان لحظة قد تحمل في طياتها كل هذه التفاصيل.. أين الفيزيائيون وأهل المنطق؟.. أين عمالقة العلوم ؟ أين مفسرو الاحلام ؟ كي يفسروا لي ما الذي حدث في تلك اللحظة! كيف عشت أعوام داخل لحظة لا تزن إلا أقل من ثانية في منطق الزمان؟.. عادت بي الذاكرة أعوام بكل تفاصيل تلك الايام.. بكل سذاجة تلك الاحلام..  حتى أنني لم أفهم هل رحلت كل السنين وعاد ذلك اليوم الملون من الماضي أم هي مجرد نور من نجم مات منذ ألاف السنين؟.. بنظرة واحدة أنعشت ذاكرة المكان وبعد تلك النظرة دمعة تعلن أن الماضي للحزن عنوان.. رحلت والدمعة توقع بحبر ساخن في وجنتاي على أن هذه اللحظة لن تتكرر ولو بعد ألف عام.




Share To: