الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان " لم أكبر بعد "
أربعون عاما منذ أن أتيت للوجود . لا أعرف السنوات التي عشت فيها الحياة ، ولا السنوات التي عاشتني الحياة . لكن رغم ذلك ، أنا متيقن ، أنني لم أعش الحياة ، ولم أصل إلى ما أصبو إليه . الحياة هي التي عاشتني ، وفعلت بي ما تشاء . لقد كانت تتصدى دائما لخطواتي ، حينما أحاول أن أخطو للأمام ، تصدني لأسير ولو لخطوات قليلة لأحلامي ، التي نسجتها بذاكرتي في الطفولة .
حرمتني من أعيش ما أريد ، وظلت تحاربني ، كما حاربني الجميع . حتى وطني الذي أحببته لم يهتم بي ، ربما كان يهتم بالغرباء . نحن هكذا ، وهذا ما كنت أسمعه من جدتي ، ومن الناس الذين يتفهون بالحكم ، والذين عاركوا الحياة . لقد كانوا يقولون لي دوما ، حينما أخبرهم بما أحلم به ، وما أود تحقيقه :
-هذا لا يمكن أن تحققه هنا ، الوطن يحب غيرنا .
كبرت وصدقتهم ، وأصبحت أعيش ما كنت أعتبره خيالا . حاولت أن أعارك الحياة ، ولكنها هزمتني . إنها بمثابة وحش ، أو جبل عال القمة ، وأنا لا شيء . إني فارغ من كل شيء .
حينما تعبت ، وتأكدت أني لن أعيش الحياة التي أريد في المكان الذي ولدت فيه . فكرت في الهجرة ، وعزمت أن أهاجر ، كما يفعل الشباب، والكثير من الذين ليس لهم حظ في هذه الأرض .
جمعت أغراضي ، واتصلت بصديق قريب ، عمره لا يتجاوز العشرين ، كان قد أخبرني أنه على وشك أن يهاجر إلى بلد آخر . تحدثنا قليلا ، ثم سألته :
-متى ستهاجر ؟ . إني أود الهجرة أيضا ، سنهاجر معا .
ضحك كثيرا، وكاد أن ينفجر ، ظل يضحك ، وحينما يحاول أن يقول شيئا لي ، يضحك مرة أخرى ، وظل يضحك ويضحك . حتى قلت له بغضب :
-ما بك ؟ لماذا تضحك ؟ أهاجرت ولم تعد هنا ؟
منع نفسه من الضحك ، واستعاذ من الشيطان ، ثم أجابني قائلا :
-أنت كبرت ، ولم يبق لك في الحياة سوى أيام قليلة ، واصل عيشك هنا حتى تموت .
غضبت ، شعرت بشيء ما يسري في جسدي . ربما الخوف من الموت ،وربما الخوف من الشيخوخة التي على وشك أن تجتاح جسدي . فكرت قليلا ، فيما سأجيبه ، ولم أجد ما أقول ، فكرت في إنهاء المكالمة ، وقبل أن أنهيها ، قلت له :
-أنا لم أكبر بعد ، وبما أني باق في الحياة ، فمن حقي أن أحلم ، وأن أفكر في حياة أفضل .
Post A Comment: