الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "في بريدك" 


الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "في بريدك"




مشاهد يتوجب حذفها:


كانت تستحي أن تخرج من منزلها بتلك القَدَم الاصطناعية وبيدها عصا تتوكأ عليها، وهو يخاف أن يرى أحدهم ولو بالخطأ أخته المُصابة بمتلازمة "داون".


ظل طوال حياته يستحي من عمل والده، ويكذب عندما يُسأل عن أباه وماذا يعمل، استحى من رفاقه لكنه لم يستحِ وهو يلوم ذاك الذي شاب رأسه وهو يكدح ويشقى لأجلِ لقمةٍ حلالٍ يسوقها إليه، كان يعاتبه على فقره بكل بجاحة ويتبرأ منه في مجالسه بوقاحةٍ ولؤم، كأن له في فقره خيّار ولا يعلم ذاك الطائش أنها أرزاق يقسمها الله بين خلقه بعدالته وحكمته، قليلها وكثيرها سواء إذا طابت النفوس وتجمّلت القلوب بالرضا.


كانت ترفض الانتماء لقبيلتها الحقيقية بسبب وصمة اجتماعية وتقسيمات طبقية تّدعي أن هؤلاء أفضل من أولئك.


مشاهد يجب أن تُنشر:


في ناحية أخرى من هذا العالم، حرصت إحداهن على الاحتفال بتخرجها من الجامعة مع والدها في "مكب النفايات" حيث مكان عمله، فهو يمضي نهاره في فرز النفايات وتصنيفها، هكذا يعمل وهكذا كرّمته ابنته وبمجرد أن رآها انهمرت دموعه بغزارة واحتضنته رغم اتساخ ملابسه وخلعت وشاح تخرحها وقلَّدته إياه بكل فخر واعتزاز.



كان حريصاً على ملازمة أخاه الذي بُترت قدماه في حادث سير، فكان نعم الأخ الأكبر والسند الذي يتكيء عليه ذلك الصغير، لم يُشعره يوماً بالنقص أو الإعاقة ولا يسمح لأحدٍ بأن يكون سبباً في هزّ ثقة أخيه بنفسه ولو بنظرة، فكانت النتيجة أن تقبّل الأخ ما هو عليه من ابتلاء وأخذ ينظر للمحنة على أنها منحة وفرصة للعطاء فكان قدوةً لأقرانه من أصحاب الكراسي المتحركة ومثلاً للعزيمة وقوة الإرادة.


في بريدك:

لا أعرف سببًا لإنسان عاقل يتعامل مع إنسان آخر بقسوة أو قلة ذوق أو دونية فقط لأن شكله كذا أو لونه أو قبيلته أو عمله أو أبويه! فمن من هذا العالم كان له يد في اختيار شكله أو والده أو أهله، لماذا كل هذه القسوة والسوء والمرض، فما نحن فيه اليوم مرض فعلًا داء مستفحل نحن من نساهم في نشره ونقل عدوته جيلاً بعد جيل، دون أن نتوقف لحظة ونعلن تصالحنا مع ذواتنا والبشرية، فلا يوجد مبرر لأن يشعر أحدهم بالاحتقار والنقص، فجميعنا خلق الله الذي سوّانا في أحسن تقويم وأكرّمنا وتفضّل علينا، فالناقص فينا ناقصٌ بأخلاقه لا خِلقته. 


أخيرًا: 

أهمس في أُذن كلُ من ادّعى الإسلام بلسانه ولم يؤمن قلبه: 

قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق).

وقال ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً).

وقال عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى، ألا هل أبلغت؟ قالوا بلّغ رسول الله، قال: فليُعلم الشاهد الغائب).



Share To: