قراءة نقدية  لرواية "عندما يحترق الليمون" للكاتبة التونسية سلمى اليانقي بقلم الكاتب عبدالرزاق بن علي من تونس


قراءة نقدية  لرواية "عندما يحترق الليمون" للكاتبة التونسية سلمى اليانقي بقلم الكاتب عبدالرزاق بن علي من تونس



   سلمى اليانقي  روائيّة و شاعرة تونسية، من مواليد 1986 بصفاقس، تونس حاصلة على شهادة الأستاذيّة في الحقوق من كلّيّة الحقوق بصفاقس حاصلة على شهادة الماجستير في قانون الأعمال من نفس الكلّيّة محامية وأستاذة جامعية سابقة بكلّيّة الحقوق جامعة صفاقس

سأحاول تسليط الضوء على رواية " عندما يحترق الليمون" وهي رواية من  أولى روايات الكاتبة التونسية سلمى اليانقي. ربما كان الاجدر أن اتناول بالدرس اخر رواية صدرت لها ، إذا ما علمنا ان الأخيرة قد تحصلت بها الكاتبة على جائزة قيمة .

إلا انني سأعود للبدايات علني اكتشف السر وراء هذا المخزون الابداعي الكبير في فترة تعد وجيزة نوعا ما .

تمارس سلمى اليانقي مهنة المحاماة علاوة على كونها مبدعة ومثقفة كللت مسيرتها بإنتاج ادبي غزير وشاركت في أهم الملتقيات والتظاهرات الثقافية و حازت على عدة تكريمات و جوائز لعل اهمها جائزة لجنة التحكيم لجوائز الكومار برواية "مكعب روبيك" تونس 2022.

رواية  " حين يحترق الليمون" هي رواية من اوائل اصداراتها التي افتتحت بها سلمى اليانقي الطريق نحو عوالم الكتابة الابداعية وحجزت لها مكانا بين الاسماء الصاعدة . إلا ان هذه الرواية لم تنل من الاهتمام الكثير أو ربما اجتمعت ضد بروزها عدة عوامل منها الذاتي اذا اعتبرنا ان دخول عالم الرواية صعب جداً والتموضع فيه اصعب ومنها الموضوعي  مسايرة لما مرت به البلاد من تحولات وعدم استقرار حال دون حصول الرواية على القدر اللازم من العناية . اذا سلمنا طبعا بأن هذا "التجاهل" لا علاقة له بالمضمون أو الايديولوجيا وهذا الذي سأحاول البحث فيه في هذه القراءة. معتمدا على دراسة الشخصيات وابعادها المركزية و  الفكرية وعلاقتها بالخط السردي الذي اعتمدته الكاتبة من خلال شخصية "سيف نموذجا" 

1 - رواية ببناء متفرد:

أرى أن الكاتبة ارادت منذ البداية ان تؤسس لها اسلوبا خاصا  في الكتابة الابداعية يعكس شغفها و ولعها بالكتاب وتشبعها بشتى الاساليب والمناهج ، فتجدها تارة ساردة متميزة وتارة أخرى مسرحية متمرسة واحيانا فيلسوفة مفكرة.

وككل جهد بشري ، لا يخرج عن البحث المتواصل عن الحقيقة بقولها : " البحث عن الحقيقة ، أ ليست فلسفة جديرة بالاهتمام " (ص 41)

حيث ترى إن الحقيقة فلسفة "تستحق التضحية والنضال" .

أرى أن قارئ الرواية سيجد نفيه بصدد مشاهدة الصور والأحداث كأنها مشاهد تصويرية سنيمائية ، حيث اتقنت الروائية المشهدية والاسقاط الواقعي باقتدار يجعلك تشارك الشخصيات افراحها واتراحها ،  

و أنت تقرأ الرواية ستلاحظ حضورا مكثفا للمقاطع الحوارية الطويلة ، ربما ارادت الكاتبة ان تؤسس لقيمة الحوار كعنوان للعائلة زمن كانت الكلمة بمعيار الذهب . توازيا لا يمكن ان ننسى من تكون الكاتبة ، فهي المحامية والخبيرة بعلوم الكلام وفنونه بالضرورة.

كتاب استقى مضمونه من فترة سبقت مباشرة  أحداث الثورة التونسية بسنوات قليلة ،فكان حضور الشخصيات متنوعا ومنفتحا على كل الاطياف التي اصابتها الديكتاتورية منذ فجر الاستقلال الى فترة ما بعد التحول  ، وهذا ما يحيلنا الى شخصية نعتقد انها نموذجا للعديد من الناس الذين نسيتهم أو تناستهم الاقلام و البرامج الاعلانات .

2 - شخصية سيف:

ما يميز هذا العمل هو الجرأة والتصالح مع الذات اللذين تميزت بهما الكاتبة ضاربة عرض الحائط كل الانتقادات المنتظرة ، كان ذلك جليا من خلال شخصية سيف ، هذا الانموذج الذي ظلم في اعتقادي مرتين ،مرة قبل الثورة ومرة أخرى بعدها ولعل الفترة الثانية كان حجم الظلم فيها اكثر اذا ما سلمنا ان الفترة الاولى ما هي سوى فترة ديكتاتورية شاملة ، أما ان يتواصل ذلك بعد ما افتك الشعب حقه في الكلمة أراه اشد واقسى.

نظام لم يستثني احدا من تضييقاته فما بالك اذا تعلق الأمر بمن يمارسون شعائرهم الدينية الاسلامية على وجه الخصوص .

لقد مارست سلمى اليانقي حريتها ولبست رداءها بما في المفهوم من معنى ولم تغلق عينيها على فئة مهمة من المجتمع " البسطاء الذين ذنبهم الوحيد انهم  يمارسون شعائرهم الدينية دون المساس بما يعتقد غيرهم - اولئك الذين لا يحملون فكرا أو طموحا سياسيا - .

تطرقت الكاتبة لتأثير ما حصل مع "سيف" عليه بالدرجة الاولى حين تم اختطافه واعتقاله من قبل البوليس واقتياده الى وجهة غير معلومة ثم مواجهته لكم هائل من التهم الكيدية التي هو منها بشراء.

سلمى اليانقى الخبيرة بسير المحاكمات وما تقتضيه من اجراءات حتى تكون عادلة تضمن للمتهم ادنى مقومات النزاهة والموضوعية ، رسمت شخصية "سيف " المراد ايصالها للناس بكل دقة وحرفية.

لم يكن تأثير ما تعرض له سيف عليه فحسب بل لم تسلم من ذلك حبيبته ولا اصدقاؤه ولا عائلته أو كل من كان له  اتصال به يوما ما .الكل شملهم التضييق و الهرسلة ، فمجرد العلاقة به وحدها شبهة كفيلة لإدخال صاحبها السجن بلا محاكمة.

هذا الانموذج المجتمعي المسالم تجرع مرارة الظلم قبل الثورة التي استبشر بقدومها ورأى بصيص أمل يعوضه مرارة الأيام ،لكن سرعان ما تحول ذلك إلى كابوس وظلم متواصل ، هم سابقا اعداء النظام ودعاة فوضى وارهاب وهم اليوم بعد صعود حزب حركة النهضة الإسلامي سدة الحكم ، "إخوانجية" بالضرورة.

فلا النظام القديم ولا الجديد رحمهم وهم في نظر الكل "إخوانجية" يحملون فكرا سياسيا ، وكأن كل من يمارس شعائره الدينية نهضويا حتى يرتد إليه عقله...

في اعتقادي حان الوقت لإعادة الاعتبار لفئة من المجتمع ذنبها انها تمارس اسلامها بعيدا عن منطق التحزب والاصطفاف.

وهنا لابد لإشارة ان التطرق لهذا الانموذج دون غيره لم يكن انتصارا متعصبا له أو موقفا من بقية الفئات التي ذاقت الويلات ،بل كان ذلك تقديرا شخصيا بأن هذه الفئة بعينها قد صرف عنها النظر إما خوفا من الانتقاد أو عنوة لقناعة متصلبة بأنهم إخوانجية مهما حاولوا درء ذلك عن أنفسهم...

في النهاية لابد من التأكيد على :" أن الدين لله و الوطن للجميع " 

كتاب يستحق القراءة فعلا .



Share To: