والد وليس "أب" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 


والد وليس "أب" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد



أجبرها والدها على دراسة الطب، رغم قدراتها الأكاديمية المتواضعة، ورغباتها البعيدة عن العلوم والطبابة، دفع الأب الأموال الطائلة لتدرس ابنته الطب على النفقة الخاصة، رغم تعاستها وبؤسها وانعدام شغفها! استمرت في دفع فاتورة حب والدها وتلبية رغبته، بذلت وقتًا وجهدًا مضاعفًا لتحقيق ذلك الحلم الذي لم يُراودها يومًا! وضحَّت بما تحب لأجل من تحب،  في مقابل أنانية وتعجرف واستبداد على هيأة "أب".


لم تقبل والدته رجاءاته وتوسلاته الدائمة لأجل أن ترضى عنه وتقبل بزواجه ممن اختارها قلبه، لا تلك التي أرادتها له أمه وقررت أنها وحدها المناسبة دون  غيرها من نساء الأرض، وأنها تعلم مصلحته أكثر منه! لم يكن ليُغضب أمه، فقط انكفأ على نفسه وأغلق باب قلبه، حتى تغيّرت ملامحه وبهتت وسامته واشتعل رأسه شيبًا، فقد شاخ قبل أوانه من فرط حزنه وقلة حيلته، رغم ذلك لم تتعطّف عليه وترحمه تلك الوالدة "الأم".


المتحدثة التحفيزية والكاتبة مايا انجلو تحدثت في مذكراتها عن علاقتها بوالدتها التي صنعت منها إنسانة صاحبة أخلاق حقيقية وقيّم ومبادئ، ولم تمارس عليها أيٍ من أساليب التسلط أو العجرفة، وذكرت موقفًا من حياتها أعتبره فارقًا، قالت مايا أنها عندما وصلت لسن 17 عامًا اخبرت أمها أنها ستغادر المنزل وتعيش بمفردها، فماذا كان رد الأم؟! هل صرخت بوجهها أو شتمتها أو عاتبتها على مجرد التفكير في أمر كهذا وماذا سيقول الناس عنّا، أو هدّدتها بأنها إن خرجت فإن عليها نسيان هذا المكان لأنها لن تعود إليه أبدًا، كلا! فإن والدة مايا ذات الأصول الإفريقية التي تستوطن بالولايات المتحدة الأمريكية قالت لابنتها: افعلي ما تشائي، وفي أي وقت قررتي العودة للمنزل فمكانك موجود والباب مفتوح.

ما هذا الجمال! عكس ما نسمعه في مجتمعاتنا البائسة هذه! 

بالتاكيد فإن هذا المثال ليس دعوة لترك الأُسر ومغادرة البيوت، لكن الفكرة نفسها غاية في الأهمية! فالثقة بين الآباء وأبناهم تعتبر أساس العلاقة السليمة، لطالما كانت التربية السويّة والصحيّة تقوم على بذر الأخلاق القويمة والمبادئ الإنسانية والقيّم النبيلة، فلا قلق على الأبناء إن صلحت أخلاقهم، أين ما عاشوا فهم آمنين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.


إلى الآباء والأمهات: 

كونك أب أو أم ليس لك/لكِ الحق في التحكم بمصائر الأبناء وماذا يجب أن يكونوا في المستقبل، فهذه قرارات فردية وشخصية تقبل النصح والإرشاد لكن لا تقبل الإجبار اطلاقًا.

فكيف لإنسان أن يحدد حياة إنسان آخر ويجبره ليكون شخصًا ليس هو! إن دين الله الذي يمثل الحق الذي لا شك فيه، ليس في إكراه واجبار، وكان أولى إكراه الناس عليه لمصلحتهم، لكنه يبقى إلى قيام الساعة قرار شخصي واختيار يتحمّل صاحبه نتيجة اختياره، فكيف بما هو دونه!



Share To: