اختيار شريك الحياة بين الترقيع والتدقيق الغير منطقي.. | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم 


اختيار شريك الحياة بين الترقيع والتدقيق الغير منطقي.. | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم



بما أن أوّل عنصر في تكوين البيت الآمن هو اجتماع قلبين، يأتي أهمية اختيار شريك الحياة، خاصةً أنك تكون مازلت على شاطئ البحر وعليك أن تختار رفيقاً جيداً في رحلة الإبحار، ويجب أن يكون الاختيار بالبصيرة لا البصر.


هُناك مشكلة يقع بها الكثيرون في اختيار شريك الحياة، -والحديث هنا موجه للنساء والرجال، في البيت الآمن لا يوجد "هو بس، أو هي وبس"- لن أتحدث في هذا المقال عن مواصفات شريك الحياة، بل عن طريقة تفكير الكثير من الناس الذين يحصرون أنفسهم بين حالتين:


1- الحالة الأولى: التدقيق المتطرف، أو الحاد في اختيار شريك الحياة: وأحياناً وضع شروط تعجيزية، وقد تنشأ عن فوبيا الارتباط.

وهو عكس التدقيق المنطقي الموضوعي الذي يعد ضرورياً ولازماً في اختيار شريك الحياة، يضع فيه المرء مواصفات واقعية ويتنازل عن الكثير من الأمور الثانوية العرضية، لأنه يعرف أن علاقة الحب بين طرفين ليست عبارة عن ورقة ومسطرة وقياسات حادة!

للأسف الشديد حالياً الكثيرين ممن أصيبوا بداء التدقيق الزائد، نجد أنَّهُ يكون مُنصباً على الجوانب الشكليَّة لا الأمور الجوهرية أو الصفات الأخلاقية، بسبب النظرة المادية التي سيطرت على المجتمع،  مثلاً: نجدُ شاباً رفض فتاةً بسبب ظهور حبة في وجهها لأنه تعود على صورة نمطيّة قدمتها لنا الفلاتر، إذا الآن اعترض على حبة مابالك الوزن الزائد بعد الحمل، أو فتاة رفضت شاب لأنه قصير أو ليس عنده عضلات أو لا يمتلك سيارة فارهة أو ڤيلا!


2- الحالة الثانية: الترقيع المتطرف للسلبيات الموجودة عند الطرف الآخر، رغم أنِّي نحت هذا مفهوم "الترقيع"، لكن في أحد الحالات الاستشارية جائتني زوجة تشكو حالها، وقالت بنفس النص "حياتي كلها ترقيع بترقيع".

من أهم الأسباب التي قد تدفع البعض للتفكير بهذه الطريقة أثناء اختيار الشريك، التعلق المرضي لتلبية الاحتياجات العاطفية، مما يؤدي إلى حجب التفكير المنطقي تماماً، أو فقدان الثقة بالنفس باعتبار أنه من الجيد أن فلان رضى بي!، أو فقدان الثقة برزق الله بأنّه لو  ذهب هذا الشخص لن يأتي غيره!، هناك أيضاً حالات تخصُّ مخاوف بعض الإناث من تقدم العمر والرغبة في الإنجاب، مما يضطرها إلى التغاضي عن الكثير من عيوب الشريك. 


إنَّ الحديث عن ترقيع العيوب، يجعلني استحضر قول أحد الخبراء في العلاقات الزوجية: (أنَّه علينا في فترة الخطوبة ضرب السلوك السلبي عشر أضعافه، لأن الطرفين يُحاولان تقديم أجمل صورة، فإذا كانت أحد جوانب هذه الصورة قاتم للغاية فما بالك فيما بعد الزواج) 

طبعاً السلوك السلبي يجب رصده لأكثر من مرة، فإذا تكرر نستطيع حينها أن نقول أنَّهُ عادةٌ أو طبع.

يعني مثلاً: كنتِ في مطعم والخدمة سيئة، وتشاجر خطيبك مع النادل وصعَّدَ الموضوع مع المدير، رغم أحقية طلبهِ، لكن أسلوبه كان عنيفاً وصل إلى حد التطاول باللسان والاشتباك بالأيدي، وقد تكرر أسلوبه العنيف في مواقف أخرى، رغم أن المشكلة لم تكن معك، لكن عليك أن تعرفي أن أسلوبه هذا يدل أنه يعاني من عصيبة زائدة وسوء خلق، وهو بحاجة إلى كورس في إدارة الغضب، وإلا سيكون هذا أسلوبه في التعامل معك في المستقبل.

بالحقيقة كثيراً ما تكون السلبيات واضحة في فترة الخطوبة لكننا نتغاضى عنها بوعي أو بدون وعي.

يعني مثلاً: عندما تقول للشاب أن  أسلوب خطيبتك في الحديث خارج عن حدود الأدب وضحكتها غير متزنة، يقول لك: إنَّها "فرفوشة" أو أنت مُعقد!

عندما تقول للبنت: خطيبك عيونه "زاغية" وعنده علاقات متعددة، إما تُنكر أو تقول لا بأس خبرة و"هيدلعني"!


للأسف الشديد هذان الأسلوبان يندرجان ضمن التشوهات المعرفيّة الإدراكيّة، التي يعاني منها الكثير من الناس، دونما أن يشعروا.

ماذا يعني: تشوهات معرفية/ إدراكية؟ ببساطة هي طريقة تفكير تُقنع عقولنا بشيء ما ليس صحيحًا؛ وتُستخدم هذه الأفكار لتعزيز التفكير أو المشاعر السلبية عن طريق إخبار أنفسنا بأشياء تبدو منطقيةً ودقيقةً.

-التشوهات المعرفية كثيرة، أنا هنا في موضوع اختيار شريك الحياة، سأتحدث عن اثنين:

1- التفكير القُطبي (يا أسود أو أبيض):

كل شيء أو لا شيء، إما أن نكون مثاليين في اختيار شريك الحياة أو سلبيين تماماً، لا يوجد حل وسط.

لابد أن نعرف أن هناك ألوان كثيرة خارج ثنائية الأبيض والأسود.

يعني مثلاً: عندنا في مصر الكثيرين يعتقدون بأن: الدكتور لابد أن يتزوج دكتورة، قد يكون شريك الحياة يمتلك مواصفات جميلة وكافية لتأسيس حياة سليمة، ممكن أن يقف الاختيار على تخصص علمي! أو جانب شكلي لا يمتلك/ أو لا تمتلك درجة الجمال الخارق..


2- التصفية: في التصفية العقلية يأخذ الشخص التفاصيل السلبية ويُضخِّمها، بينما يُصفِّي جميع الجوانب الإيجابية من الموقف. 

مثلما نقول: (ما يعبش الراجل إلا جيبه)، عملنا عملية تصفية لكل مميزات الرجولة وقضينا عليها بعامل واحد! هو فقر الحال، مع أن الذي يُعيب الرجل مثلاً كسلُهُ عن الكسب الحلال، ما يعيب الرجل كذبه، سوء خلقه وضعف إيمانه.

لو لاحظنا هنا سنجد أنّ المثال هذا متوارث، معناه أن هناك أمراض وتشوهات معرفية مجتمعية تقفز إلى اللاوعي حين اختيار شريك الحياة، طبعاً تكون خطيرة جداً لأنها تحوي سطوة مجتمعية!

أنت تعتقد أنَّك أنت من تختار لكن في الحقيقة حكايات الجدة، وما سمعته من والدك ووالدتك، وصورة الإعلام وحالياً مواقع التواصل الاجتماعي، هي من ترسم لك شريك الحياة، من أوّل الملامح الشكلية، على هيئة أي فنان أو فنانة، أو عارضة أزياء، إلى اختيار أثاث البيت الذي ستعيش فيه.

 ‏

وكي لا يكون حديثنا مرسل؟ ما الحل للخروج من هذه الثنائية؟ الحل هو وجود طريق ثالث؟ لا تدقيق مفرط ولا ترقيع للعيوب!

وهذا لن يتحقق إلاّ بالمعرفة؛ دعونا نجمعها في نقاط:

1- أولاً: عليَّ أن أضع ورقة وقلم وأكتب، من أنا وماذا أريد؟ ما هي اهتماماتي في الحياة؟ أعرف نفسي أولاً، لأن بُناءً على هذه المعرفة، سأختار شريك حياة ينسجم مع رؤيتي وتصوراتي وأحلامي، أو على الأقل نصل إلى نقاط مشتركة تجمعنا.

2- ثانياً: عندما أعرف نفسي سأرتب أولياتي في اختيار شريك الحياة، ما هي الأمور التي يمكن أن أتنازل عنها، وما هي الأمور التي محال أن أتنازل عنها؟ وما هو القابل للنقاش...

وطبعا كلما كانت هذه المعرفة مبنية على أسس سليمة ورؤية منطقيّة للإنسان والحياة، سيكون إختيار شريك الحياة سليماً.

3- ثالثاً: معرفة كلا الطرفين سلبيات الآخر في فترة الخطوبة، وكيفية التعامل معها، وإدراك إنْ كان لدينا قدرة وآلية لاحتوائها وتجاوزها سويةً.


ختاماً... المفروض أن يبنى الاختيار على الجوهر لا العرض، يعني الميزان للإنسان أخلاقه إيمانه فكره، لا شكله أو ماله أو منصبه، لأن هذه الأمور تذهب وتأتي..

حتى في الأمور الجوهرية الكمال المطلق لله، المهم أن يكون لدى شريك الحياة القابلية للسعي نحو الجمال.

طبعاً هذا الكلام عام، يبقى لكلٍّ منا قائمة خاصة واستحسانات ذوقيّة لاختيار شريك الحياة، وما يناسب سين من الناس لا يناسب الآخر، لكن المهم أن أعرف أولاً ما يناسبني، خاصةً أنِّي مازلت على شاطئ البحر، ولدي فرصة جيدة للتفكير في بناء بيتي الآمن.


رابط الصفحة الشخصية للكاتبة:انقر الرابط 👇🏻

https://www.facebook.com/ayat.hasan.79?mibextid=ZbWKwL



رابط الصفحة العامة للكاتبة: انقر الرابط 👇🏻

https://www.facebook.com/profile.php?id=100088674714976&mibextid=ZbWKwL

Share To: