سجاد البيضاني.. دروب تظللها الأحلام | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
شيءٌ ما يشي بالشجن في شوارع هذا البلد.. يعيش في طرقاته ومابين أزقته، حالةٌ أسمى من وصف البشر وأكثر حناناً من لمسة جدةٍ عانقت الزمن وشهدت على لحظاته، لحنٌ خلاب ينساب كشلالٍ من بين شفتيه ليظلل نظراتٍ لا تعرف سوى الحنين إليه وهي بين أحضانه، ليترجمها المصور الفوتوغرافي العراقي سجاد البيضاني بعدسته صوراً تحمل بعضاً من نبضه الدافىء الذي نشعر به وإن أقصتنا المسافات وبخلت علينا بلقاءٍ لا زلنا نتمناه ونحلم به..
فلقطاته تعزف على أنغام الذاكرة العراقية وتنتقل برشاقةٍ بين الوطن وأهله وسط حاضرٍ لم تنقطع صلته بماضيه، ونرى مختلف الحرف والمهن التي لا زالت تبث الحياة في أيام العراقيين وتجعلهم في حالةٍ من التواصل الدائم مع جذورهم وأرضهم التي نبعت منها أعظم الحضارات وكانت ولا زالت مصدر إلهامٍ للفنانين والمثقفين على اختلاف الإبداعات التي يقدمونها، حيث نلحظ وحدة الحال بين الناس وبين بيئتهم فنشعر بمذاق تلك البيوت والدكاكين يرتسم على ملامح أصحابها ويزين ابتساماتهم كعودة الشمس بعد ليلٍ طويل، تختصر بشروقها تلك العلاقة المركبة بين الإنسان والزمن فكلاهما يحاول اللحاق بالآخر بحثاً عن إجابة وبحثاً عن (لحظةٍ) لا تمرض لا تشيخ ولا تموت..
كما نشعر بهذا التسامي فوق الوجع وكأنه أصبح عادةً يتشاركها الناس حيث نادراً ما نلحظ تلك النظرة المباشرة نحو عدسة الكاميرا إلاّ عند بعض الأطفال، فالقلوب مثقلةٌ بالكثير من الأحزان التي باتت جزءًا من يومياتهم وسراً لا يجهله أحد في رحلة كلٌ منهم، فقد تفرقهم الدروب طلباً للرزق لكن هناك ما يجمعهم رغم كل الصعوبات التي تواجههم في نهاية كل يوم، هناك أصواتٌ منثورة بين المنازل القديمة، هناك صورٌ وذكريات.. عطر وأمنيات، بقايا آثار الراحلين والكثير من التفاصيل البسيطة والحميمة التي قد لا تعني أحداً سواهم لكنها تساوي الحياة في نظرهم، يتوارثونها جيلاً بعد آخر حاملةً في ثناياها أكثر من ميلادٍ للروح لتخلق طريقاً جديداً تتضح معالمه كلما أغمضوا أعينهم وحلقوا بعاطفتهم..
ويتجلى ذلك التوق إلى الأمان في صور سجاد البيضاني كلما تأملنا لغة الجسد.. تلك الوجوه التي تتأرجح بين الظل والضوء وكثيراً ما تتوارى ضمن مساحةٍ رمادية ليس في هذه اللقطات وحسب بل وفي حياتها ككل، فأصبح ذلك خيارها الأمثل الذي يمكنها من الإستمرار، والذي لم يمنعها أيضاً من البحث عن فسحة أمل (آمنة) بين ضحكات الأصدقاء والجيران ووسط الطيور التي تيقظ رؤيتها في أعماقنا أحلاماً بريئة خلنا أننا نسيناها، كما أن العديد من هذه الأعمال توحي بالإنتظار، سواءاً كان ذلك الإنتظار لعزيزٍ أو لفرحةٍ ما قد تضيف شيئاً من السعادة إلى أيامهم التي صبغها الحزن بلونه، وهو ما يتأكد من خلال تصوير البيوت المهجورة مراراً وكأنها تناجي من رحلوا عنها، فقدم المصور سجاد البيضاني صورةً واقعية لجانبٍ مهم من الحكاية العراقية يجمع بين طبيعة شخصياتها التي ظهرت على سجيتها والأثر الذي خلفته المآسي المتعاقبة على أرضها وأبنائها فغيرت نظرتهم وإحساسهم بما حولهم لكن أسرجة الرجاء دوماً أقوى من الظلام..
خالد جهاد..
![]() |
سجاد البيضاني |
![]() |
خالد جهاد |
Post A Comment: