النصيحة تصحيح لا تجريح | بقلم : د. روحية مصطفى أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة ، جامعة الأزهر


النصيحة تصحيح لا تجريح | بقلم : د. روحية مصطفى أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة ، جامعة الأزهر


مما لاشك فيه أن رقي المجتمع وتطوره يرتبط ارتباطا وثيقا برقي أبناءه وإخلاصهم وتكاتف جهودهم رجالا ونساء ليصبح الوطن في مقدمة الأمم المتطورة علما وعملا وخلقا ، والنصيحة من دلالات تكاتف المجتمع وتكافله ، وتُعد من أهم أسس بناء الأوطان وحماية المجتمعات إذا كانت من أهلها وبضوابطها ، لذا نجد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يبين معنى الدين في جملة موجزة من جوامع كلمه قال : " الدين النصيحة " مسلم ، فجعل الدين كله في النصيحة ، وإذا كانت الدنيا لا يستقيم حالها إلا باستقامة الدين فالدين والدنيا النصيحة ، وهي تعتبر من أولى حقوق المسلم على أخيه ، وتصبح آكد إذا كان القائم بها له منبر تخرج الكلمة من فيه إلى آذان القاصي والداني على وجه الأرض ، فيصبح لزاما عليه أن يتحرى لغة الخطاب التي يتحدث بها مع أبناء وطنه ، فينزل منازلهم ويحترم جهودهم وكفاحهم و أعرافهم ، ويوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ، ولا يؤذي مشاعرهم ، فهاهو الناصح الأمين حينما مر بقوم من اليمن صائمون وهم على سفر ، فقال لهم بلهجتهم تطييبا لنفوسهم ، : " ليس من امبر امصيام إمسفر " أحمد بإسناد صحيح ، أي ليس من الرحمة والتيسير على النفس أن تصوموا وأنتم مسافرون ، وحينما كان يسمع أمرا لا يوافق مقصود الشرع من بعض أصحابه كان لا يذكر اسمه عند النصيحة على الملأ بحكم رعايته  للأمة ، بل ينعته بنعت تطيب به النفس فيقول : " مابال رجال يقولون كذا أو يفعلون كذا " أو مابال أقوام ...،.أبو داود بإسناد صحيح ، وأما عن لغة الخطاب مع النساء فرفقا بالقوارير . البخاري في صحيحه ، ، ونعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين . مسلم في صحيحه ، لذا اهتم الإسلام بالنصيحة ووضع لها أدابا وضوابط تساهم في حصاد الأثر المرجو منها وتحقق أهدافها ومراميها على أكمل وجه دون ضرر أو ضرار  ، فيجب أن تكون النصيحة خالصة لوجه الله تعالى بعيدة عن الرياء والسمعة والمصالح الدنيوية الذائلة ، وألا تكون النصيحة بناء على شبهة أو ظن خاطئ ؛ فقد  ورد في الأثر عن بنت عبد الله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وكان طلحة أجود قريش في زمانه قالت: " ما رأيت قوما ألأم من إخوانك، قال لها: مه مه! ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال لها: هذا والله من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم " وأن يبتعد الناصح عن التجريح والتأنيب وإيلام المشاعر ، فالأولى في النصيحة أن تكون تلميحا لا تصريحا ، وتصحيحا لا تجريحا ، كما يجب على الناصح أن يختار الوقت المناسب والمكان المناسب للنصيحة ، وأن تكون باللين والرفق والموعظة الحسنة ؛ لأن الله رفيق يحب الرفق وُيعطي عليه مالا يُعطي على العنف ، وما اتسم ناصح بالرفق إلا زينه هذا الرفق بزينة القبول عند الناس فيصبح مسموع الكلمة ، ومؤثرا في مجتمعه ،  ويروى أن الخليفة المأمون وعظه واعظ فأغلظ له في القول فقال : يا رجل أرفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق . فقال تعالى : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى }{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه ٤٣ ، ٤٤ اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المخلصين الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون .



Share To: