الْقُرْآن الكريم يُوقظَ قُلوبِ المُسلمينَ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


الْقُرْآن الكريم يُوقظَ قُلوبِ المُسلمينَ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف



مُصحَفٌ يَحتَرِقُ غِلافٌ وأوراقٌ وَنارٌ ودُخانٌ، ويَبقى القُرآنُ في صُدورِ أَهلِ العِلمِ والإيمانِ؛ فَهُم يَعلَمونَ أنَّ وُجودَ القرآنِ عِندَ المَسلمينَ، هو سَببُ النَّصرِ والعِزِّ والتَّمكينِ .


وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ


فَيَأتي الجَوابُ مِنَ اللهِ القَويِّ العَزيزِ: 


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ


مُصحَفٌ يَحتَرقُ فَتُبصِرُ العَينُ بِضياءِ نَارِه حَقيقَةَ الغَربِ الكَافِرِ، ويَظهَرُ بِدُخانِهِ سَوادُ حِقدِ القَلبِ الفَاجرِ، ويَنهَدِمُ ما كَانَ يَقولُهُ البَعضُ مِن عَدلِ وتَسامحِ واحترامِ الآخَرِ .


ويُريدُ اللهُ تَعالى أن يُذَكِّرَنا بِما قَالَهُ عن الوَجهِ الآخَرِ :


وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ 


مُصحَفٌ يَحتَرِقُ لِيُوقظَ في قُلوبِ المُسلمينَ الإحساسَ الرَّاقدَ فَقَد كَانوا ولا يَزالونَ البُنيانَ والجَسدَ الواحدَ، مَهمَا حَاولَ الأعدَاءُ في التَّحريشِ بَينَهم والتَّفريقِ، ومَهما كَادوا لِيَصلِوا إلى مُرادِهم بِكلِّ طَريقٍ .


فَالمُسلِمونَ روحٌ واحدةٌ، ومَشاعرُ واحدةٌ، يَفرحونَ جَميعاً، ويَحزَنونَ جَميعاً، كَما أَمَرَهم رَبُّهم سُبحَانَهُ وتَعالى : 


وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ


مُصحَفٌ يَحتَرِقُ لِيَقولَ لَنا: لا عَجبَ أن يَحرُقَني الأعداءُ، ولَكنَّ العَجبَ أن يَهجُرَني الأصدقاءُ؛ فَكيفَ أَثرُ أَحكامي وقَصَصي وعِظاتي؟


وكَمْ هو نَصيبُكم في اليَومِ مِن قِراءةِ آياتِي؟


واسمَعوا ماذا قَالَ اللهُ تَعالى لأهلِ الأعذار: 


وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ 


فإذا كَانَ أهلُ الأعذارِ لَم يُعذَروا بِتَركِ قِراءةِ ما تَيَسرَ مِنهُ؛ فما هو نَصيبُ أهلِ الصِّحةِ والفَراغِ مِنهُ؟

فأَعظمُ نَصرٍ أن تُقبِلَ اليَومَ على كِتابِ اللهِ إقبالاً مَأجوراً لتَنجوَ مِن : 


وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا


بَهَرَ الوُجودَ بَلاغةً وجَمَالا 


               وانسَابَ عَذبَاً صَافياً سِلسَالا


هَذا كِتابُ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ 


               قَد فَاضَ نُوراً بَاهياً وَجَلالا


سُبحانَ مَنْ هَذا البَيانُ كِتَابُهُ 


               مَلَكَ القُلوبَ وَمَزَّقَ الأَسدالا


مُصحفٌ يَحتَرِقُ فَيَهتزُّ مِنبرُ خَطيبٌ، ويَسيلُ قَلمُ أديبٍ، وتَفيضُ قَريحةُ شاعرٍ، ويُقَاطعُ الاقتصادَ تاجرٌ، وتَثورُ لِنُصرَتِهِ شُعوبٌ، وتَتَقطَّعُ في حُبِّهِ قُلوبٌ، ويُصرِّحُ أَصحابُ القَرارِ، وتَصدرُ بَيَاناتُ الاستنكارِ .


 فيَا أيُّها العُقلاءُ أوقِفوا هذا الاعتداءَ، ولا بُدَّ من وَضعِ الخُطوطِ الحَمراءِ والقوانينَ؛ فَحريَّةُ التَعبيرِ لا تَكونُ بالإساءةِ إلى الدِّينِ، ولا تَكونُ باستِفزازِ مَشاعرِ المُسلِمينَ، فَخُذوا بأيدي السُّفهاءِ والمُعتَدينَ، وإيَّاكُم وكِتابَ ربِّ العالمينَ.


قُرآنُنا النَّورُ والأَعداءُ ظَلمَاءُ 


                 وكم تُبدِّدُ ليلَ الوهمِ أضواءُ


قُرآنُنا سُوَرٌ بِالحَقِّ نَاطِقَةٌ 


                   بَيانُها مُشرقٌ كَالشَّمسِ وَضَّاءُ


وَحيٌ من اللهِ مَحفوظٌ وإِنْ حَرَقوا 


                    أَوراقَه، فَلهُ في الرُّوحِ سِيمَاءُ


قُلوبُنا أَيُّها الغَاوي مَصاحفُنا 


                    فَبؤْ بخَيْبتِكَ الكُبرى كَمَنْ بَاءوا


 


وأَنتُم أيُّها الشُّعوبُ المُسلِمةُ هَذهِ أَقدَارُكم المُؤلمةُ، مُصحَفٌ يَحتَرِقُ، وأُمَّةٌ تَفتَرقُ، ومَسجدٌ يُهدَمُ، ومُسلِمٌ يُعدَمُ، ونِقابٌ يُنزَعُ، وقُلوبٌ تُفزَعُ، ودِينٌ بِهِ يُمكَرُ، ونَبيٌّ مِنهُ يُسخرُ، وإلهٌ بِهِ يُكفَرُ، وليسَ لَنا إلا الصَّبرَ والتَّقوى كَمَا أَمرَنا رَبُّنا جَلَّ وعلا: 


وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ


وهذا واللهِ خَيرُ زادٍ فِي الدُّنيا ويَومِ المَعادِ.


 بَاركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرَآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِن الآيَاتِ والذِّكرِ الحَكِيمِ .

 

اللهمَّ أَعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهمَّ انصر مَن نَصرَ دِينَكَ وكِتابَكَ وسُنَّةَ نَبيِّكَ مُحمدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ، اللهمَّ انصر إخوانَنا المستضعفينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللهمَّ كُنْ لهم نَاصرًا ومُعِيناً وحَافظًا ومُؤيِّداً يا رب العالمين .



Share To: