أُشعِـلُ في حُجرتي القمـر.. | بقلم الكاتبة الأديبة المصرية آيات عبد المنعم 


أُشعِـلُ في حُجرتي القمـر.. | بقلم الكاتبة الأديبة المصرية آيات عبد المنعم



معظم النَّاس لن ترىٰ سوىٰ شقوق جدارِ بيتك، أو بهرجة الزخارف، يصفقون لكَ، أو يُشفقون عليكَ...

وأنا وسط هذا الزحام، أبدو أكثر هدوءاً من الحجر!

تعلمتُ أن أتجاوز تلكَ العيون التي لا تنظر إلاّ لاتساع ملح البحر، وذَهَبِ الصحراء..

هؤلاء مهما استطالتْ رقابُ أرواحهم، لن تلمسَ جمال بِركةٍ مُهمَلةٍ في زوايةِ غابةٍ ضخمة، تأوي كائنات حيّة، تقْسِـمُ معهمُ دمـعَ الماءِ خُبـزاً طريًّا، مع كلِّ لقمةٍ يملؤ جوفها الرِّضا، تفقهُ فـنَّ الفُسيفساء وتؤمنُ بحكمةِ الخالق.


في كلِّ ليلةٍ أغضُّ الطرفَ عن وجعِ النَّهار، يَتوحَّدُ ظهري مع طراوة مَرْتَبَةِ السرير، فلا التفتُ إلى قلقِ الفقرات في أن تأخذَ قدرها الكافي من الراحة، يُحدِّقُ بي السقفُ وكأنَّه مرآةٌ تحثُّني على الحديث مع ذاتي، ويبدأُ سردُ النعم في كفَّي لا أستطيع أن أحصي منها إلاَّ رغيف الأمن والعافية، وعيني حين تغفو على كتفِ الحبِّ، للحظةٍ أشعرُ كأنِّي امبراطور صغير حيزت له الدُّنيا، يقطع شرودي كوب اليانسون الدافئ، والكريم اللِّيلي الذي صرتُ أعرفُ دوره جيداً، فقد يُرمِم تشققات الجلد، لكنَّ بشرةَ الرُّوحِ لها مرهمها الخاص؛ تحتاجُ أن أُطْفِئُ مصباحي وأُشعِـلُ في حُجرتي القمـر..


لا تظن عزيزي القارئ أنِّي أقطنُ إحدى المدن الغربية المُترفة أو أنتمي لحقبة الأندلس المجيدة.

أكتبُ لكَ بالألمِ العربي، مثلُكَ أصارعُ ذاتي، أتجاوزُ شراسة قطع الكهرباء في الصيف، وجيوشِ العرقِ التي تلسعُ جلدي، تتبارى مع البعوض على إزعاجي، تجول فكرة الاستحمام برأسي، سرعان ما تتلاشى حين أتذكر أن صنبور الماء في داري يُعاني العطش.. 


أحاولُ أن أتماهىٰ مع ضوء القمر المُتسلل من شباكِ نافذتي ليلاً، أدمنُ النظر إلى جَبينه، وأحاولُ رغم المسافات البعيدة بيننا، أن أقرأَ بخور احتراقهِ حينَ يُعلن نفسهُ شمساً صغيرة، والكون بعينيهِ غُرفة ضيقة.


يُغريني زُهدهُ الثائر كغيمةٍ بيضاء حُبلىٰ بالمطر، تهطلُ دفعةً واحدة، تغسلُ عن أذني آخرَ خطبة جمعة، أوصت الفقراء بالزهد البائس في زمن الجوعِ والجَوْرِ..


القمرُ قد يبدو ساكناً إن رصدتهُ من شرفة القَصر، متواضعاً يمسحُ عرق الفلاحين إن لامسَتْ أطرافهُ تلة القرية، مُخطئة تلك الظنون التي تراهُ جامداً لا يثور لا يتحرك، بين كتفيهِ وُشمتْ معجزة.. 


إنَّ غذاءَ القمرِ النُّور، فلا يدخلُ جوفه إلاّ الطُهر..

إن أردت أن تُضيء عتمتك عليك أن تَرتدي بياضاه..

وترضىٰ..

     وترضىٰ..

     ‏     وترضىٰ..  

     ‏     ‏

بالنهاية أنتَ لستَ قمراً لكن....

قد يزرع اللّٰه في قلبك جنَّةً لا يرىٰ نورها غيرك..


آيات عبد المنعم 

بيـروت..

29 / محــرم /  1445.

16 / أغسطس/ 2023.




Share To: