ماحكم استرداد المهر والشبكة والهدايا عند العدول عن الخطبة ؟ | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


ماحكم استرداد المهر والشبكة والهدايا عند العدول عن الخطبة ؟ | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
ماحكم استرداد المهر والشبكة والهدايا عند العدول عن الخطبة ؟ | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


السؤال : سائل يقول : تقدمت لخطبة فتاة فوافق أهلها ، وبعد وقت قدمت لوليها مبلغا من المال على حساب المهر، وقدمت لها شبكة وبعض الهدايا القيمه في مناسبات مختلفة ، ثم بعد ذلك أردت العدول عن الخطبة ، فهل يحق لي طلب استرداد جميع مادفعته لها أم لا ؟ .

الإجابة : نقول وبالله التوفيق : الخطبة مجرد وعد بالزواج غير ملزم   فلا تُثبت حقوقا للرجل أو المرأة  ويُستحب الوفاء بها ؛ سدا لذريعة التخاصم والنزاع، إنطلاقا من قول الحق سبحانه وتعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا )الإسراء 34 ، ويُكره العدول عنها بغير سبب مشروع ؛ منعا للضرر النفسي والمادي الذي يلحق المتروك ، وإذا كان هناك سبب مقبول شرعا وعرفا لمن أراد العدول عن الخطبة فلا كراهة باتفاق الفقهاء  .

دليل ذلك :  ماروي عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما قال: " نهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَبيعَ بَعضُكم على بيْعِ بَعضٍ، ولا يَخطُبَ الرَّجلُ على خِطبَةِ أخيه، حتَّى يَترُكَ الخاطِبُ قَبلَه أو يَأذَنَ له الخاطِبُ"  . متفق عليه واللفظ للبخاري.

أولا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يخطب على خطبة أخيه ؛ لأن للخاطب الأول حقا في المخطوبة ، فلا ينازعه أحد فيه ؛ منعا للضرر الناتج من التباغض والنزاع والتقاطع  ، والتعدى على حقوق الآخرين .

ثانيا : أقر النبي صلى الله عليه وسلم عدول الخاطب عن الخطبة بقوله : ( حتى يترك أو يأذن ) لما قد يترتب على عدم العدول مع توافر أسبابه مشكلات تعكر صفاء الحياة الزوجية مستقبلا .

وفي واقعة السؤال قدم الخاطب للمخطوبة مبلغ من المال على حساب المهر ، وشبكة وهدايا 

أولا : بالنسبة للمهر : فلا تستحق المرأة منه شيئا سواء كان الرجوع من جهته أم من جهتها أم توافقا على ذلك ، فيجب رد المهر مرة أخرى إلى الرجل باتفاق الفقهاء الأربعة   ؛ وإلا فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل ؛ لأن المهر أثر من أثار عقد الزواج بل هو ركن من أركان العقد عند المالكية  ، ولا تستحق منه المرأة شيئا إلا بالعقد ، فإن طلقها بعد العقد وقبل الدخول كان لها نصف المسمى ، وإن كان بعد الدخول فلها المهر كاملا   . 

ثانيا : بالنسبة للشبكة : ففي عرفنا المصري تُعد جزءً معجلا من المهر ؛ لأنه يتم التفاوض فيها والاتفاق عليها قبل الموافقة على الخطبة ابتداء ً، بل قد تُشكل قيمتها نصف المهر أو يزيد ، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا   وإذا اعتبرنا الشبكة من المهر فتأخذ أحكامه ، فلا تستحق المرأة منها شيئا إلا بالعقد أوالدخول .

ثالثا : بالنسبة للهدايا التي قدمها الخاطب لمخطوبته فلا يحق له أن يستردّ شيئا منها ، سواء كانت هذه الهدايا قائمة أو مستهلكة ؛ لأنه وهب هذه الهدايا بشرط إتمام الزواج، وهو المتسبب في عدم تحقيق هذا الشرط بسبب من جهته ، ولذلك لا يحق له الرجوع بشيء على المخطوبة من هداياه.؛ حتى لا نجمع المرأة أكثر من ضرر ، ضرر الزهد فيها وتركها ، وضرر إلزامها برد هداياه ، بهذا الرأي قال المالكية   وبعض الشافعية  والحنابلة   حيث ذهبوا إلى أن العادل عن الخطبة لا تُرد إليه هداياه مالم يكن هناك عرف أو شرط متبع . واستدلوا على ذلك بالسنة والمعقول : 

أولا – من السنة ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه» .صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي ،  في هذا الحديث الشريف نص النبي صلى الله عليه وسلم على نفي الضرر ، والضرار وهو مقابلة الضرر بالضرر ، وترك الخاطب لمخطوبته ضرر نفسي لها ، فوجب إزالته ومن وسائل دفع هذا الضرر ترك الهدايا ، فلا نجمع عليها الضرر المعنوي والضرر المادي بسبب إلزامها رد هداياه . 

ثانيا : من المعقول :

أن هذا الرأي هو الأقرب لقواعد العدل والإنصاف فمن عدل عن الخطبة وألحق الضرر بالطرف الآخر خسر هداياه ، وأيضأ في هذا الرأي سد لذريعة التسرع في الارتباط والتسرع في العدول ، وصيانة للمرأة وحفظ كرامتها .  

وهذا كله مالم تكن المرأة سببا في عدول الرجل كأن يظهر له سوء خلقها أو طباعها فهنا يسترد مادفعه إليها من هدايا غير مستهلكه فلا ضرر ولا ضرار  . والله تعالى أعلى وأعلم .




Share To: