الحرب | بقلم الكاتبة الصحافية السودانية/ هديل عبدالرحمن
بعد تردد وتفكير طويل قررت أن أكتب عن الحرب وفي قلبي غصة، وخوف، ووجع، وقهر لأن الكتابة هذه المرة لن تكون عن مكان بعيد لا اعرفه أو دولة شقيقة لم اراها من قبل،، الكتابة هذه المرة عن وطني الأم عن مكان عشت سنوات حياتي كلها فيه بإنكساراتي وانتصاراتي، بفشلي، ونجاحي، بقوتي، وضعفي، بضحكي، ومبكاي وطني الذي تعلمت فيه وعملت في مهنة صعبة لأجله، أحببت فيه ومنه، تجولت في شوارعه وازقته شربت من نيله حتى ارتويت، وجدت في الطيبة والحنان والمحبة والكرم، حظيت فيه بأفضل الأصدقاء وأوفاهم أحملهم في قلبي كما الوطن، وظللت أتغزل بجماله في كل كلمة أكتبها، فهو بلدي الذي لا أحن إلا إليه، ولا أشتاق إلا إليه، ولا تغلبني دموعي إلا عليه، واحملخ في قلبي قبل أن يحملني على أرضه.
الحرب الدائرة في بلدي أخذت ملامحها الجميلة، وأخذت ذكرياتي وذكريات الكثيرين، شردت اهلي وجعلتنا نعيش الفراق القسري، دمروا معالمها التي كنا نُحبها ونذهب إليها ونفتخر بها
قتلوا السودان الحبيب، قتلوا اهله ولم يستطيعوا دفن جثثهم او التعرف عليها حتى!
أما نحن الأحياء قتلونا حُزناً على الأموات مزقوا قلوبنا عليهم ونحن نمر في الشوارع ونرى منظر الجثث ونغلق انوفنا من تعفنها، الجثث التي كانت ذات يوم رائحة اصحابها الجميلة تفوح وتعطر الأمكنة عبيراً وورداً،، قتلونا حزناً على السودان الجميل أرضاً وشعباً.
الحرب كما وصفها أحد الشعراء مثل الرحی تطحن كل ماتصادفه!
ولكن الأشد إيلاماً طحنها لقلوب الثكالی واليتامى ولا يفهم هذا الكلام الا من عايش المواقف وحسب معايشتي للموقف أن من رحل ذهب لبر الأمان عند الله وفي رحابه، وآمانه، وآمنه حيث لا حروب ولا خوف ولا وجع، لكن الخوف علينا نحن الناجون ولنا الصبر الجميل ونحن مع إحتمالية ألا نجد من يبكي معنا ونحن نعيش مع ذكريات لا تنتهي ولا تموت تأخذ بأيدينا إلى من فقدناهم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحنا القُدرة والعزم على مواصلة الطريق دونهم. وأن يعطينا القدر الكافي من الأمل، والصبر، والقوة في أن نحقق ما أخفق فيه من ذهبوا إلى دار الخلود هذا إن لم تطالنا ايدي الغدر وتغتالنا ونصبح مثل من سبقونا لا نجد من يقوم بدفننا !
أين وكيف نجد من يدفننا في هذا البلد الحزين وقد مات نصفنا وخرج نصفنا الآخر ليؤمن نفسه وأسرته من موت محتوم؟!.
في الحرب لا يوجد غالب أو مغلوب في الحرب يوجد يُتم، ودماء وظلم، وطغيان يوجد قتل للأبرياء، أطفال، ونساء، وشيوخ، وشباب في مقتبل العمر يوجد دمار في كل شيء.
ماذا أقول وكل ما أريد قوله يراه الجميع! المأساة تتحدث عن نفسها بالصوت والصورة في بلدي الحُر الذي إستعمرته المليشيات المتمردة ثم أحالته إلى مقبرة دُفن فيها أهلنا الأبرياء بأحلامهم وآمانيهم بالسودان الجديد بعد ثورته السلمية المجيدة التي كانت بارقة امل لكل السودانيين، الثورة التي خطفوها وقتلوا شبابها وقتلوا في اعيننا فرحة الإنتصار بإسقاط اكبر وأعتى ديكتاتورية حكمت البلاد لسنوات طويلة وتحكمت في مصير الشعب بمنتهى الوحشية.
أحقر من مر على تاريخ السودان عصابة الحركة الإسلامية التي عاست في البلاد فساداً لمدة ثلاثون عاماً ثم ختمت فسادها هذا بدخول الدعم السريع إلى البلاد ليكمل ما بدأوه العصابات السابقة حرقوا السودان وحرقوا شعبه الطيب دون رحمة .
يا من تقيموا المؤتمرات والإتفاقيات هُنا وهُناك السودان لا يحتاج إلى مؤتمراتكم الفاشلة التي تجتمعوا فيها مع الرؤساء والملوك والأمراء تتناولون فيها الوجبات الدسمة وتحتسون فيها الشاي والقهوة وتعتذرون لنا عن ما فعلتوه بنا، وتتطالبوننا بضبط النفس والصبر وانتم ومن معكم الذين صنعتم هذه المعارك في مأمن،
نحن لا نرغب بمؤتمراتكم هذه لأنها لا تحل ولا تربط بل تزيد الفجوة وتعقد المواقف أكثر وأكثر ، فأنتم لا تشعرون بما يشعر به المواطن ولا تعانون معاناته ولا تشعرون بحجمها.
ما يحدث في السودان حرب إبادة شاملة، عائلات بأكملها تموت في البيوت بأسلحتكم وإن حُظيت بالنجاة منها ماتت بإنعدام الدواء والغذاء أو ماتت من الحسرة على فقد أحبابهم وعلى وضع البلاد.
نحن نعاني من أزمات حقيقية أزمة في الأكفان، الأشجار تموت في أماكنها ، الأطفال الذين ينامون بعد يوم مخيف ويصحون ذعراً كيفَ لهم أن يتحملوا الأصوات المُرعِبة وقساوة مشاهد العنف، وفظاعة صواريخهم الفتّاكة التي ينهشون بها أجساد الأبرياء، الأطفال الذين يحق لهم أن يسمعوا قصصَ ما قبل النوم تناسوها مُكرهين وأصبحوا يعيشون قصص رعب حقيقية بمشاهد دامية لن يستطيعوا نسيانها مستقبلاً ولا يُمكن إجتثاثها من ذاكرتهم وأعماقهم حتى وإن تغيرت الأوضاع وأصبح هذا البلد آمناً.
الحرب التي نعيشها هذه ليست حرب شريفة فهي حرب ابادة بين جيشين أبناء وطن ودم واحد، ويطالبنا الجيش بالوقوف معه في حرب صنعها بيده ! صنعتوها عندما سمحتم لجيش آخر أن يدخل مدينتكم واعطيتوه صلاحيات أكبر من حجمه، عرفتوه كل شبر فيها ملكتم أرواحنا وممتلكاتنا لجيش غيركم جيش لا يصلح أن يكون أي شي، جيش لا يفقه شيء بداية من قائدهم الخلوي إلى أصغر جندي وهم في الحقيقة كلهم صغار! وصغار جداً في كل شيء هم ومن معهم ومن يؤيدهم ، قائدهم الذي لا يقرأ ولا يكتب أعطيتوه منصب ثاني رجل في الدولة والبلد مكتظة بحملة الشهادات بمختلف مجالاتهم ودرجاتهم العلمية يبحثون عن العمل ولا يجدوه لأن القائمين على آمر التوظيف مشغولين بتعيين الجهلة، لا تطالبونا بشي لأنكم لم تستشيرونا عندما قررتم أن تحولوا الجيش الوطني إلى مليشيات.
تراكمُات الحرب وتأثيرها السلبي علينا نفسياً وعلى كل ركُن في بلادنا وعلى من فقدناهم نحملكم جميعاً مسؤوليتها الكاملة وعليكم تَحمُل تركاتها المفجعة.
أما بالنسبة للخونه من المواطنين لن اوجه لهم اللوم بعد الترويض الهائل الذي مُورس ضدهم وضد اي طلائع واعية يمكن أن تقود إلى نهضة البلاد، الأنظمة المختلفة التي مرت على السودان وحسها لهم على العمل لمصالحهم الخاصة قتل ضمائرهم ولغى عقولهم، أعطوهم مال الشعب وقوته ليطمعوا، ويضمنوا ولاءهم فيكونوا اداتهم التي يحركوها كيفما يريدون ويصبحوا حجر عثرة
Post A Comment: