كيفية الوقاية من الذنوب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


كيفية الوقاية من الذنوب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


 

إن فلاح المرء وسعادته بطاعته لسيده ومولاه ، والبعد عن كل ما يسخطه جل وعلا وكل ما يبغضه ويأباه .


 وللذنوب على العبد أضرار خطيرة وعواقب وخيمة في دنياه وأخراه ، ولا تزال بواعث الذنوب ودواعي المعاصي ومثيرات الوقوع في الخطيئة تمر بالعبد بين وقت وآخر ؛ والناس بين أسير للذنوب طريح للمعاصي ، وبين عبدٍ وفقه الله جل وعلا وأعانه فهداه صراطه المستقيم وأعاذه من الشرور ومن غوائل الذنوب وأضرارها ، والموفق من يوفقه ربه جل وعلا ويعينه .


وهناك عشرة مشاهد عظيمة ؛ إذا وفق قلب المسلم لشهودها وكانت حاضرةً في قلبه وكان مستحضراً لها كان فيها بإذن الله جل وعلا أكبر عون له للوقاية من الذنوب والسلامة من شرورها والبعد بإذن الله تبارك وتعالى عن الوقوع فيها .

 

المشهد الأول:


 أن يشهد القلب إجلال ربه ومولاه الذي يسمعه ويراه ويعلم بحاله أن يشاهده حيث ننهاه ، وإذا كان العبد مستحضراً لهذا المقام العظيم والمشهد المبارك حجزه بإذن الله عن الوقوع في الذنب والخطيئة .


 وكما قيل : من كان بالله أعرف كان منه أخوف ، ولعبادته أطلب ، وعن معصيته أبعد .

 

والمشهد الثاني : 


شهود القلب حب الله جل وعلا وترك الذنوب والبعد عنها طلبا لهذا المقام العظيم والمطلب الجليل ، فإن المعصية والذنب يفوِّت على العبد حظه ونصيبه من محبة الله جل وعلا له بحسب ما وقع فيه من ذنبٍ أو خطيئة .

 

المشهد الثالث : شهود النعمة والإحسان ؛ فكم هي نعم الله عز وجل على العبد نازلة!! في صحته وفي بدنه وفي أهله وفي ماله أنواع من النعم لا تعد ولا تحصى ، والكريم من الناس لا يقابل الإحسان بالإساءة بل يقابل الإحسان من سيده ومولاه بالطاعة والبعد عن الخطيئة والمعصية .


 المشهد الرابع:


 مشهد الغضب والعقوبة ؛ وهو مشهد عظيم أن يذكر من دعته نفسه إلى معصية أو ذنب أو خطيئة أن الذنوب موجبات لغضب الرب جل وعلا وسبب لحلول العقوبات ، فما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رُفعت إلا بتوبة .


مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا 


[نوح:25] 


أي بسبب خطيئاتهم .


ويقول جل وعلا : 


 فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ 


سورة العنكبوت


 المشهد الخامس : 


مشهد الفوات ؛ أي أن يتأمل من أراد أن يقارف معصيةً أو يقع في خطيئةٍ وذنب كم سيفوته من خيرات الدنيا والآخرة عندما يغشى ذلكم الذنب أو يقع في تلك الخطيئة ، ثم أي خير يرجوه من يحصِّل لذةً فانية يتبعها حسرةٌ باقية !! تذهب الشهوة وتبقى الشِّقوة ، أي خير يُرجى في مثل ذلك !! ذنب يتحمل العبد تبعه وتفنى لذته وتذهب هناءتُه .

 

والمشهد السادس : 


وهو مشهد عظيم ألا وهو مشهد قهر النفس وإرغام الشيطان ؛ وفي هذا القهر للنفس والإرغام للشيطان لذةٌ لا توازى وهناءةٌ لا توصف ، والعبد بين داعيين : داعي نفسٍ أمارة بالسوء ، وشيطان محرِّضٍ على الشر والفساد ، وفي الدعاء :


أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ.


 فهما شرَّانِ يُحدِقان بالعبد فإذا وُفق لترك الذنوب والبعد عنها كان بذلكم قهرٌ لنفسه الأمارة بالسوء وإرغام لعدو الله وعدو المؤمنين ؛ الشيطان الرجيم أعاذنا الله جميعا منه.


 المشهد السابع : 


مشهد العوَض ؛ عندما يتذكر عبدُ الله المؤمن بتركه للذنب وبعده عن الخطيئة طاعةً لله وطلباً لرضاه كم سيعوَّض على هذا الترك من خيرات عظيمة وبركات عميمة في دنياه وأخراه ، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه ، وفي العوَض مما يتحقق للعبد في دنياه وأخراه خيرٌ من لذةٍ ينالها العبد في معصيةٍ رذيلة وخطيئة قبيحة تجرُّ عليه من العواقب والآثار ما لا يحمد عقباه في دنياه وأخراه .


 المشهد الثامن :


 مشهد المعية ؛ معية الله تبارك وتعالى الخاصة لعباده المؤمنين ، عباده التائبين ، عباده المتطهرين ، عباده المتقين ، عباده المحسنين ؛ وهي معيةٌ تقتضي النصر والتأييد والحفظ والكلاءة والرعاية والعناية ، فما أعظم خسران من غشى الذنوب وارتكب الخطايا ففوَّت على نفسه هذه المعية العظيمة .


والله يقول: 


وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ


 [الأنفال:46] 


ويقول جل وعلا: 


وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ 


[العنكبوت:69] 


والآيات في هذا المعنى كثيرة .

 

المشهد التاسع : 


مشهد مُعاجَلَةِ الأجل ؛ وذلكم أن أجل الإنسان ومغادرته لهذه الحياة أمر مغيَّب لا يعلمه الإنسان ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ 


وإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ


سورة يونس


 كم من إنسانٍ سافر إلى ديار بعيدة وليس له في سفره همة إلا أن يعصي الله فمات وهو في طريقه في ذلك السفر ، وكم من إنسانٍ تحرك من بيته لم يتحرك إلا لمعصية الله ومات قبل أن يقارف تلك المعصية ، فالأجل أمر مغيَّب وهو يأتي الإنسان فُجاءة وبغتة وبدون مقدماتٍ وبدون استئذان ، فإذا استحضر العبد ذلك كان ذلك دافعاً له لإصلاح نفسه .


إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ .


 المشهد العاشر  : 


مشهد البلاء والعافية ؛ والبلاء حقيقةً في الذنوب وآثارها وعواقبها ، والعافية في طاعة الله جل وعلا . فالبلاء حقاً في الوقوع في سخط الله ومعصية الله جل وعلا وهو سبب كل بلاء وشر ، والعافية في طاعة الله جل وعلا ، فإذا شهد المؤمن ذلك _أنه بالبعد عن الذنوب تتحقق له العافية ويسلَم من البلاء_ يكون له في ذلك عوناً عظيما على ترك الذنوب والبعد عنها .


 وإنا لنسأل الله الكريم ربَّنا أن يوفقنا جميعاً للتوبة النصوح، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين


ويتأكد في هذا المقام وفي كل مقام كثرةُ الدعاء وحُسنُ الالتجاء إلى الله جل وعلا فإن الهداية بيد الله والتوفيق بيد الله، ولا مهتدي ولا مستقيم إلا من هداه الله جل وعلا ووفقه للزوم سبيل الاستقامة، ومن أعطي الدعاء أعطي الإجابة :

سورة غافر


 ما أحوج العبد إلى أن يُكثر الدعاء وأن يكثر الالتجاء إلى سيده وربه ومولاه أن يهديه، وأن يصلح قلبه، وأن يثبته على الحق والهدى، وأن يعيذه من سبيل الهلاك والردى، والتوفيق بيد الله وحده .





Share To: