رعاية الأسرة من الآفات الاجتماعية | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
رعاية الأسرة من الآفات الاجتماعية | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف |
من أهمّ الجوانب التي تولَّاها الإسلام بالعناية والرعاية ، وأحاطها بسياج منيع من الصيانة والحماية الأسرة .
فالاسرة هى حائط الصد الأول للوقاية من الآفات الاجتماعية بكل أنواعها ، واستقرارُها والتلاحم والتراحم بين أبنائها وأفرادها هو الأساس في تحقيق سعادة المجتمع ، وضمان استقراره ، وهي الركيزة العظمى في إشادة حضارة الأمة وبناء أمجادها .
ولذا لو حاولنا ان نعرف بعض أسباب هذه الأمراض والآفات الإجتماعية لوجدنا :
أولا : ضعفُ الوازع الديني ، سوءُ الخلق الراجع لعدم تربية الأبناء تربية إسلامية من طرف الوالدين ، ممّا يخوٍّل لبعض الأبناء التصرّفَ خارج الضوابط الإسلامية .
فمسؤولية تربية الطفل تقع على الآباء فهم الذين لهم أثر كبير في صقل خلق الطفل و تربيته تربية حسنة ليصبح فردا صالحا .
قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
رواه البخاري
ثانيا : انعدام الرقابة من قبل أولياء الأمور ، إما لانشغالهم في العمل طوال النهار ، و منْحُهُم الحريةَ و الثقةَ المطلقة لأبنائهم في تصرفاتهم دون أي ضوابط.
فالتفريط في تربية الأبناء ، أو التخلِّي عن المسؤولية تجاههم ، ذلكم هو الغدر وتلكم هي الخيانة وذلكم هو الغش الموصل إلى النار .
أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث مَعْقِل بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ :
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ .
فكلٌ مسؤول عن رعيته .
ثالثا : الصحبة الطالحة ، وحب الإثارة والمغامرة يدفع ببعض الأبناء للتقليد الأعمى الذي يؤدي بهم إلى الانحراف .
لذلك كان التوجيه النبوي في اختيار الأصدقاء والرفقاء في قوله عليه الصلاة والسلام :
مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة .
صحيح مسلم
وطبقاً لهذا وغيره فإنّ الحذر من رفقاء السوء يساوي في المقدار والأهمية ضرورة تهيئة الصحبة الصالحة للأبناء ، ولقد نبًه على ذلك كثير من العلماء المسلمين ، موجهين خطابهم إلى الوالدين وكل من قام على تربية الأبناء فهذا الإمام ابن الجوزى رحمه الله يقول :
أمّا تدبير الأولاد فحِفْظُهم من مخالطةٍ تُفسد أخلاقهم ، وليُحْمَلَ الولدُ على صحبة الأشراف والعلماء ، وليُحَذَّر من مصاحبة الجهال والسفهاء ، فإن الطبع لص .
صيد الخاطر ابن الجوزى
رابعا : جهل الأبناء بأمور الحياة ، قد يقودهم إلى المهالك والمزالق والانحرافات دون أن ينتبهوا إلا بعد فوات الأوان ، أي بعد أن يكون أحدهم قد دفع ضريبة جهله ثمناً باهضاً ، سجناً أو طرداً من البيت أو هجراناً من قبل الأصدقاء ، وبكلمة أخرى يصبح منبوذاً اجتماعياً يتبرّأ أهله وأصحابه منه .
فالصغير لن يتعلم إلا بالإحتكاك مع الكبير ، وعلماء الاجتماع يقولون :
إن الطباع يسرق بعضها بعضا .
خامسا : التأثير السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام من أنترنيت ، وفضائيات تلفزية وغيرها .
والإعلام بشكل عام سلاح ذو حدين من الممكن أن يكون نافعًا للشاب ، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف .
وما من مشكلة يعاني منها المجتمع إلا ونحن جميعاً مسؤولون عنها ، أفراداً وجماعات ومنظمات وهيئات رسمية وغير رسمية ، فالمجتمع كلٌّ متداخل ، فلا بد من الوعي ، ولا بد من الحركة نحو الإصلاح ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، وليس في تقصير البعض ما يبرر إعراض الآخرين عن القيام بالواجب ، لأن الخطأ لا يبرره خطأً آخر .
وإن صلاحَ المجتمعِ والأمةِ الإسلامية من صلاح الفرد ، وكل المعاملات والسلوكات البشرية تبدأ من حسن أو سوء الخلق .
ومن هنا تكمن أهمية الاهتمام بالنشء في تربيته تربية حسنة ، وبمساره في المجتمع ينتهي به لأن يكون رجلَ الغدِ الصالحَ .
إن المسلمَ الحقَّ يهمُّه مسلكُ بنِيه نحوَ ربِّهم وإخوانِهم ، وليست وظيفتُه ومهمتُه أن يُزحمَ المجتمعَ بأولادٍ ترَكَ حبلَهم على غاربِهم ، وهذا هو هديُ الأولين من المؤمنين .
فهذا خليلُ اللهِ إبراهيمُ عليه السلام يقول :
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ
وهذا نبيُّ اللهِ نوحُ يدعو ابنَه ويُلِحُّ عليه فيقولُ :
يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ
وهذا يعقوبُ يتعهَّد أولادَه في الرَّمَقِ الأخيرِ كما قصَّ الله تعالى :
{ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
وهذا ركْبُ المؤمنين الصادِقين المتبعين ، ركبُ عبادِ الرحمنِ يلهجون قائلين :
{ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
فاتقوا الله وقوموا بمسؤولياتكم تجاه أبنائكم وسلوا الله صلاحها ، وأن يحفظ عليكم دينكم وأن يثبتكم على الحق إلى الممات ، وأن يحييكم في عافية مما أحاط بكم من الشرور والأمور المهلكات ، واشكروه على نعمه وآلائه ، فبالشكر تدوم النعم وتُحفظ .
Post A Comment: