نعمة سلامة الصدر ونقاء السريرة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


نعمة سلامة الصدر ونقاء السريرة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
نعمة سلامة الصدر ونقاء السريرة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف



في زمن ظهر فيه حُبُّ الدنيا بمختلف الصور والأشكال ، يحتاج المسلم إلى التذكير بما يبعثه على محبة الآخرين ، وبذل الخير والمعروف لهم ، وكفّ الشر والأذى عنهم ، إنه خُلُق : سلامة الصدر الذي يعيش به المسلم سعيدا مرضيا مسرورا مطمئنا .


إن سلامة الصدر من أنبل الخصال وأشرف الخلال ، التي يدرك بها المسلمُ عظيمَ الأجر وحسن المآب .


يقول ربنا جل وعلا : 

  

{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } 

       

 الشُّعَرَاءِ : 88-89 


ومن علامات سلامة القلب بعد الإيمان والتقوى والتوحيد واليقين: 


أن يكون القلب نقيًّا من الغل والحسد والحقد على المسلمين ، يعيش المسلم مع إخوانه بصفاء قلب ، وطِيب نَفْسٍ ، وحُسْن سريرة ، لا يحمل لهم ضغينةً ولا كراهيةً ، ولا يُضمر لهم حقدًا ولا غِشًّا ، ولا خداعا ولا مكرا ، بل يعيش بنفس تفيض بالخيرات والإحسان ، والخُلُق الجميل والصفاء والنقاء ، فهو من نفسه في راحة ، والناس منه في سلامة ، لا يعرف الناسُ منه بلاءً ولا شرًّا ، ولا يُقاسُونَ منه عناء ولا شقاء .


 قال صل الله عليه وسلم :


لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .


[متفق عليه]


 من النعيم المعجَّل في هذه الحياة ، بل هو جنة الدنيا ، وبه تكون لذة العيش ؛ وذلك أن يحرص المسلم على تحصيل نعمة سلامة الصدر ، على كل مَنْ عاش معه أو خالطه ، بل على كل أحد من المسلمين .


قال تعالى في وصف أهل الجنة : 


{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } 


[ الْأَعْرَافِ : 43 ] 


قال ابن عطية رحمه الله عند هذه الآية : 


 وذلك أن صاحب الغِلّ معذَّب به ، ولا عذابَ في الجنة ، وفي أبرز دعوات أهل الإيمان ما وصفهم به ربهم جل وعلا : 


{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ، 


[ الْحَشْرِ : 10 ] 


 من أفضل الأعمال : سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها ، ومن البغضاء بجميع صُوَرِها ، قيل لرسول الله صل الله عليه وسلم : 


 أيُّ الناسِ أفضلُ ؟ 

قال : كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقُ اللسانِ ، قالوا : صدوقُ اللسانِ نعرفُه ، فما مخمومُ القلبِ ؟ قال : هو النقيُّ التقيُّ لا إثمَ عليه ولا بغيَ ، ولا غلَّ ولا

 حسدَ .


رواه ابن ماجه، وصحح إسناده المنذري وغيره من المحدثين 


وقد أدرك سلفُ الأمة رضي الله عنهم هذه الحقيقة فعملوا بها ودَعَوْا إليها ، فهذا زيد بن أسلم يدخل على أبي دجانة رضي الله عنهما وهو مريض وكان وجهه يتهلل ، فقال له : ما لَكَ يتهلل وجهُكَ ؟ 

قال : ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين : أما إحداهما : فكنتُ لا أتكلم بما لا يعنيني ، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما .


ويقول الفضل بن عياض رحمه الله : 

 ما أدرك عندنا مَنْ أدرك بكثرة نوافل الصلاة والصيام ، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس  وسلامة الصدور والنصح للأمة .


من الأسباب المعينة على سلامة الصدر : الإخلاص لله جل وعلا والصدق معه ، والرضاء بالقدر وبما كتبه الله جل وعلا للعبد في هذه الحياة ، ولزوم طاعة الله جل وعلا ، والإكثار من تلاوة كتابه سبحانه ، مع بذل الإنسان الاجتهاد في مجاهدة النفس من الأدواء الخبيثة ؛ كالغش والغل والحسد ، مع تذكُّر دائم لما تعود به تلك الأخلاق الخبيثة على الإنسان بالشر الوبيل في العاجل والآجِل ، ثم يجتهد العبد بالدعاء الخالص الصادق أن يرزقه الله جل وعلا قلبا سليما ، ولسانا صادقا ، مع عمل صادق ببذل كل ما يجلب المحبةَ والمودةَ ويدفع البغضَ والكراهيةَ من بذل للسلام وترك الإنسان ما لا يعنيه من أمور الخلق ، والحرص على بذل العطية والهدية ؛ فهي جالبة للمودة دافعة للكراهية ، وكذا يحرص المسلم على الدعاء للمسلمين جميعا ، والعفو عند الإساءة وبذل الإحسان بشتى صوره ومختلف أشكاله ، القولية والفعلية ؛ مما يترتَّب عليه إدخالُ السرور على قلوب المسلمين ؛ فالمسلم شأنُه الفرحُ بما يُفرِحُ المسلمينَ ،والمشارَكة الفاعلة بما يواسيهم عند أحزانهم وهمومهم .


فكن - أيها المسلم على مجاهدة شديدة للشيطان ؛ فهو حريص على إيغار الصدور وإفساد القلوب .


قال تعالى : 


{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } 


[ الْإِسْرَاءِ : 53 ] 


وفيما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 


إن الشيطان أَيِسَ أن يَعبده المصلُّون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم.


 وإن مما يسلم به المسلم البعد عن المجادلة والمراء والمخاصَمة حول المسائل والوقائع والأحداث مما لا جدوى فيه ، فهذا مما يُثير الحقدَ والكراهيةَ ويُزكي الشحناءَ ، ويُوجِدُ النفرةَ بين المسلمين .

وإنما تُحمد المجادلةُ لإحقاق حقٍّ من عالم ناصح مخلِص صادق متوسِّم بجميع شروط وصفات وعناصر المجادلة والمناظرة وفقَ أدب جَمٍّ وخُلُق أَشَمَّ .


 قال الله جل وعلا : 

  

 { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } 


[ الْبَقَرَةِ : 83 ] 


 إن سلامة الصدر باب عظيم إلى النعيم المقيم .


 قال أحد السلف : أصل الدين الورَعُ ، وأفضلُ العبادةِ مكابدةُ الليلِ ، وأقصرُ طريقٍ للجنة سلامةُ الصدرِ .


فالزموا سلامة الصدر ونقاء السريرة ؛ ولذا حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم على تحقيق ما يؤصِّل هذا الأصلَ ويدرأ عنه كلَّ العوارض والأدواء .


قال صل الله عليه وسلم : 


لا تحاسَدُوا ولا تباغَضُوا ولا تدابَروا ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث .


رواه مسلم 


فكونوا عباد الله إخوانا متحابين ، على التقوى متوادين ، وعلى الطاعة والبِرِّ متواصين .





Share To: