الجانب الإنساني في شعر (ناصر بن سالم الرواحي) | بقلم دكتور / جمال فودة :عضو الاتحاد العالمي للغة العربية ، كاتب وناقد من مصر
الجانب الإنساني في شعر (ناصر بن سالم الرواحي) | بقلم دكتور / جمال فودة :عضو الاتحاد العالمي للغة العربية ، كاتب وناقد من مصر |
إن تكثيف بنية دلالية ما في نص شعري يوحى بأنها ظاهرة متميزة ينسجها الشاعر في حالة وجدانية خاصة، حيث تنصهر هذه الدلالة في سياق التجربة، وبفعل إبداعية اللغة داخل النص تحمل إيحاءات ثرية تضفي على النص حيوية متجددة، وحضوراً لا يبلغه النص بدون هذا الترابط بين مبناه ومعناه، وتلك إحدى ميزات العمل الفني الناجح.
وهذا ما نجده عند الشاعر (ناصر الرواحي) عندما يوظف الشعر الاجتماعي في كتاباته؛ إذ يستقي المعاني والموضوعات من محيطه الشخصي والاجتماعي، ويعتمد في تصويره على الخيال والملاحظة على نحو يستطيع من خلاله إبراز الدلالة الكامنة وراء الألفاظ، ويتمتع شعراء الشعر الاجتماعي بملكات نفسية يستطيعون من خلالها التعبير عن المواقف الاجتماعية المتفاوتة بل والمتناقضة،
وجاء اعتماد (الرواحي) على هذه السمة الدلالية في قصائده، كأداة تعبيرية تسهم في كشف رؤيته لواقعه هذا من ناحية، كما تعين المتلقي على استكشاف أبعاد التجربة واستنطاق الدلالة من ناحية أخرى، وقد استطاع " الرواحي " استغلال هذه البنية الدلالية استغلالاً أضحى واضحاً في إبداعه، وأصبح من الملامح الأسلوبية التي تشكل بنية النص في شعره.
فتبدو قصائده حافلة برموز إيحائية ودلالات نفسية، واستبطان لخلجات الوجدان وومضات الفكر، ذلك أن الشاعر مادامت قد أصبحت له رؤية خاصة في إطار تجربته، ومادام يستعين باللغة الإيحائية وليس باللغة المعجمية وسيلة للكشف والتعبير، فإن اللفظة تتجاوز معناها المعجمي إلى دلالة خاصة تتسق ورؤية الشاعر.
إن ما يسميه البعض بـ (شعر المناسبات) عند (الرواحي) ليس مجرد خطرات فكرية اهتدى إليها بتأملاته وتجاربه، بل وعاء انصهرت فيه ثقافته وشخصيته، فكانت خير منهل ارتوى منه وصدر عنه إنتاجه الشعري، فعبر عنها تعبيراً إنسانياً من الناحية الفكرية والأدبية، حيث كان يزاوج بين العقل والحس، وتميزت قصائده بكونها وليدة الوجدان والفكر معاً، فهي تزخر بالمعاني الدقيقة، وتنضج بالعاطفة، وتزدهي بالإيقاع الموسيقي المنتظم، الأمر الذي جعلها تجمع بين قوة الإقناع وجمال الامتاع.
ولسنا ممن يؤيد رأي بعض النقاد في اتهام شعر المناسبات بالسطحية والتكلف، وأن عناصر وحيه وقف على مواقف يحددها الزمان والمكان، فلا يأتي عفوًا، ولا من فيض الخاطر ، في ظننا أن هذا تجنٍ واضحٌ، وظلمُ فادحُ ؛ لأن ما يقوله الشاعر من فيض إحساسه بعد معايشة مناسبة أثرت في نفسه ، وأثارت وجدانه وفكره، ونظم فيها شعره مثل قصيدة ( وُلد الهدى) في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم- لأحمد شوقي، و مثل رثاء (ابن الرومي) لابنه ، ورثاء (الخنساء) لأخيها ، ورثاء (نزار قباني) لزوجته بلقيس ... هذه كلها وغيرها الكثير من شعر المناسبات، لكنها تجسد تجربة ناجحة لأنها صادقة ، لم يُجبر قائلها على نظمها؛ فقد قالها من فيض خاطره ورهافة مشاعره، وصدق احساسه، وهذا ما ألفيناه جلياً عند ( الرواحي).
فمثلاً قصيدته (لن تموت الكلمة) في رثاء الشيخ سعود بن علي الخليلي، وكذلك رثاؤه للدكتور سالم بن مبارك الرواحي، يصف خلالهما ما يعانيه من فقْدٍ للأخوة والأخلاء، وما يترتب على ذلك من فراغ مادي ملموس يعيشه، ويعبر عن الحزن العميق الذي يتغلغل في نفسه.
وإن كان الشاعر حريصاً على ذكر مآثر المتوفى من نبلٍ وكرم، ومكارم أخلاق، وغير ذلك من الصفات الإنسانية، فإن قصائده امتازت بدقة التفكير، وبعد الخيال، والتأمل في حقائق الكون وسنن الوجود، هذا إلى جانب إظهار حرقة الألم ومرارة اللوعة، والتعبير عن أثر الفجيعة في النفس، وأن موت أمثال هؤلاء الأدباء والمفكرين إنما هو مصيبة عامة وخطب جسيم.
وفي الختام نقول: إن (ناصر الرواحي) شاعر لا يُعرف وإنما يُتعرف عليه، من خلال رصد الدلالات التي يبثها في بنية النص الشعري كتقنية أسلوبية تشير إلى استرفاد الشاعر من ينابيع ثقافية متباينة سعياً إلى تشكيل الدلالة النصية التي تتكون لبناتها من جمل وتعابير دلالية خاصة، تنتظم في سياق التجربة الشعرية وتنصهر في بوتقتها.
الشاعر/ ناصر بن سالم الرواحي |
دكتور / جمال فودة :عضو الاتحاد العالمي للغة العربية ، كاتب وناقد من مصر |
Post A Comment: