ديسمبر والبُلهاء | بقلم الكاتبة السودانية/ تسنيم عبد السيد 


ديسمبر والبُلهاء | بقلم الكاتبة السودانية/ تسنيم عبد السيد
ديسمبر والبُلهاء | بقلم الكاتبة السودانية/ تسنيم عبد السيد 


    بعد مرور نحو خمس سنوات على انتفاضة ديسمبر، لا أرى تغييرًا حدث سوى حكومة عنيدة سقطت! وفيما عدا ذلك تمضي الأمور نحو الأسوأ، فحياة الناس باتت أكثر تعقيدًا من ذي قبل، والأزمات الاقتصادية والسياسية تتفاقم بوتيرة متسارعة، حتى وصل بنا الحال إلى انهيار كامل ودمار بفعل حرب مستمرة منذ ثمانية أشهر وما تزال! دون بوادر لحلول قريبة، معركة خاسرة يقودها صِغار عقول يتصرفون كالبُلهاء، أحالوا البلد إلى خراب لأجل أن يكسب أحدهم الآخر، كأنهم في لعبة شطرنج يتسابقون من سيقول "كِش ملك" اولًا، يا لغباءهم! ويا لبؤسنا أن هؤلاء مثلنا اسمهم "سودانيون". 

    إن الثورة والتغيير الذي كنا نحلم بنهاياته السعيدة، البعض تمنى لو لم يحدث! فالحياة التي كنا نعتبرها مجحفة وظالمة خير من العدم، هكذا يفترضون! لكن ما توصلت اليه من كل ذلك أن سقوط حكومة فاسدة لا يعني بالضرورة أن يخلفها أطهار، فذات البيئة التي أنتجت أولئك صنعت امثالهم وأسوأ، والحقيقة الوحيدة التي يتوجب علينا إدراكها أن التغيير يبدأ من النفوس أولًا وليس الكراسي والمناصب. 

    بالنسبة لي فإن تلك الحكومة التي سقطت، إذا كنت قد رأيت من مسؤوليها خيرًا ووفاءًا بوعود التغيير لما سعيت لاسقاطها، فآخر همي الأشخاص ومن أتى ومن ذهب، ما يهمني حقًا ماذا قدّموا لتلك الأرض وذاك الشعب.

    لكن أولئك الساقطون تحديدًا وصلوا لمرحلة بعيدة من الانفصال عن واقع الناس، وما كانوا ليسمعوا صوت الرفض إلا بذلك العلو والصخب "تسقط بس"، ومن شدة حماسنا وقتذاك لم ننتبه إلى أن "بس" أي "فقط" هذه، جاءت هنا في غير موضعها! ولسوء طالعنا تحققت تلك العبارة بحذافيرها، فسقطت الحكومة الفاسدة فقط، ولم نجنِ شيئًا من ثمار ذلك النضال الطويل سوى تلك الإطاحة، نعم نجحنا في وضع نقطة بنهاية ذلك السطر الحزين، لكن بدأنا مع الأسف سطورًا من المأساة أتمنى أن لا تطول. 

أخيرًا: 

    لا أقول ليتنا لم نخرج، بل ليتنا خرجنا قبل أواننا ذاك بعشرين عامًا على الأقل، لنتمكن من إنقاذ الدولة قبل أن تتلوث ويجري ذلك الدم الفاسد في كل مفاصلها، فما فتئ ذلك الداء ينخر في جسد الدولة حد الانهيار! 

يالها من خطة محكمة نُفذت بذكاء، والشعب المسكين يتفرج في ذهول كأنه مُخدَّر وحين استفاق كان كل شيء تحت سيطرتهم، ليس بالسلاح وإنما بالولاء الزائف لتلك الأفكار المسمومة، حتى أكبر مؤسسة سيادية يفترض فيها الحياد قد أصابتها تلك اللعنة، ونراها اليوم تخوض حربًا شعواء لأجل مكاسب سياسية رخيصة ضد مجموعة مسلحة كان يُفترض أن تُوأد قبل ميلادها إن كان في قومنا رجلٌ رشيد.




Share To: