الْحِكْمَة صِفَةٌ حَمِيدَةٌ وَشِيمَةٌ نَبِيلَة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


الْحِكْمَة صِفَةٌ حَمِيدَةٌ وَشِيمَةٌ نَبِيلَة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الْحِكْمَة صِفَةٌ حَمِيدَةٌ وَشِيمَةٌ نَبِيلَة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 



قَالَ عزوجل:


وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ


 إِنَّ الْحِكْمَةَ صِفَةٌ حَمِيدَةٌ، وَشِيمَةٌ نَبِيلَةٌ، ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ، فَسَمَّى بِهَا ذَاتَهُ الْعَلِيَّةَ.


فقَال: إِنَّهُ أَنَا ‌اللَّهُ ‌الْعَزِيزُ ‌الْحَكِيمُ


 وَوَصَفَ بِهَا كِتَابَهُ الْعَظِيمَ كما قال سبحانه: 


يس ‌وَالْقُرْآنِ ‌الْحَكِيمِ


وَاخْتَصَّ بِهَا الْأَنْبِيَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَآتَاهُمْ مِنْ مَعِينِ حِكْمَتِهِ، فَوَهَبَ خَلِيلَهُ سيدنا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحِكْمَةَ، كما قَالَ سُبْحَانَهُ: 


فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ


وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ سيدنا دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: 


وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ


وَقَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَبِيِّهِ سيدنا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: 


وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ


 لقد جَعَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ الْحِكْمَةَ قِيمَةً عُلْيَا فِي دِينِهِ، فَالحِكْمَة أُمُّ الْفَضَائِلِ، وَسَيِّدَةُ الْأَخْلَاقِ، تَهْدِي مَنِ اتَّصَفَ بِهَا إِلَى كُلِّ بِرٍّ، وَتُرْشِدُهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَتَمْنَعُهُ مِنْ كُلِّ مَا يَشِينُ، وَتَرْدَعُهُ عَنْ كُلِّ مَا يُذَمُّ، وَتَدْفَعُهُ لِوَضْعِ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ، بِفِعْلِ ‌مَا ‌يَنْبَغِي، وَقَوْلِ مَا يَنْبَغِي، ‌فِي ‌الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي.


 مَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ فِطْنَةً وَبَصِيرَةً؛ وَأَخَذَ حَظَّهُ مِنَ الْعِلْمِ والْمَعْرِفَةِ، وَنَالَ نَصِيبَهُ مِنَ الْوَعْيِ وَالْفَهْمِ والإدراك، فَصَارَ قَوْلُهُ سَدِيدًا، وَسُلُوكُهُ حَمِيدًا.


 سُئِلَ أَحَدُ الْحُكَمَاءِ: بِمَ تَأْمُرُ الْحِكْمَةُ؟ قَالَ: تَأْمُرُ بِكُلِّ مَا يُحْمَدُ أَثَرُهُ، وَيُؤْمَنُ فِي الْعَوَاقِبِ ضَرَرُهُ. 


وَمِنْ حِكْمَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَتَعَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَلَا يَسْبِقُ عَمَلُهُ عِلْمَهُ، وَلَا لِسَانُهُ عَقْلَهُ، يَنْتَقِي أَطَايِبَ الْكَلِمِ، وَيَجْتَنِبُ كُلَّ مَا يَعْقُبُهُ الْإِثْمُ وَالنَّدَمُ.


جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ، فَكَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ: لَاتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ»، وَالْحَكِيمُ يَقُولُ خَيْرًا فَيَغْنَمُ، أَوْ يَسْكُتُ فَيَسْلَمُ، كما في الحديث الشريف: رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ ‌فَغَنِمَ، أَوْ‌سَكَتَ ‌فَسَلِمَ.

 يَسْتَحْضِرُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ قَوْلَ رَبِّهِ: مَايَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ


وَيَنْهَلُ مِنْ مَعِينِ الْحِكْمَةِ مَنْ جَالَسَ الْحُكَمَاءَ، وَقَرَأَ سِيَرَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ، وَطَالَعَ أَمْثَالَهُمْ وَأَشْعَارَهُمْ،


تَجْرِي يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِمَّنْ خَاضَ التَّجَارِبَ، فَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ. وَالْمَرْءُ الْحَكِيمُ يَتَثَبَّتُ وَلَا يَعْجَلُ، وَيَصْبِرُ وَيَتَمَهَّلُ، وَيَحْلُمُ وَلَا يَجْهَلُ، يَتْرُكُ الْخَوْضَ فِيمَا لَا يَهُمُّهُ، وَيَشْغَلُ نَفْسَهُ بِمَا يُفِيدُهُ، يَعْمَلُ بِقَوْلِ سَيِّدِ الْحُكَمَاءِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ ‌حُسْنِ ‌إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. 

فَرحم الله مَنْ تَمَثَّلَ الْحِكْمَةَ في أقواله وأفعاله، وَانْتَهجهَا في تعامله مع غيره.


علينا اسْتحْضار الْحِكْمَةِ فِي كَافَّةِ جَوَانِبِ الحياتة ؛ فِي تَفْكِيرِكُمْ وَتَدْبِيرِكُمْ، وَقَوْلِكُمْ وَفِعْلِكُمْ .

قال تعالى: 

وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ‌وَمَا ‌يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ


 تذكروا أَنَّ الْحِكْمَةَ تَعُودُ عَلَى صَاحِبِهَا بِالذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالسُّمْعَةِ الطَّيِّبَةِ، وَتَجْلُبُ لَهُ السَّعَادَةَ وَالسَّلَامَةَ.


 وَلِعَظَمَةِ الْحِكْمَةِ؛ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى مَنْ أُعْطِيَهَا أَنْ يَشْكُرَهَا.


وَلَقَدْ آتَيْنَا ‌لُقْمَانَ ‌الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ


وَلِبَالِغِ أَثَرِهَا دَعَا بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِابن عمه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: 


اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ.


فَصَاحِبُ الْحِكْمَةِ مَحْمُودُ الْمَوَاقِفِ، يَأْلَفُ النَّاسَ وَيَأْلَفُونَهُ، وَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، يَلْهَجُونَ بِشُكْرِهِ، وَيَسْعَدُونَ بِرَأْيِهِ، وَيَسْتَنِيرُونَ بِبَصِيرَتِهِ، وَهُوَ مِفْتَاحٌ لِلْخَيْرِ، مِغْلَاقٌ لِلشَّرِّ، مُتَفَائِلٌ مِعْطَاءٌ، كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْقَبُولَ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ.




Share To: