حكم الجماع في نهار رمضان للزوجين المسافرين مسافة القصر .....وجهة نظر | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


حكم الجماع في نهار رمضان للزوجين المسافرين مسافة القصر .....وجهة نظر | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش
حكم الجماع في نهار رمضان للزوجين المسافرين مسافة القصر .....وجهة نظر | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش


أولا : اتفق الفقهاء على أن السفر مسافة القصر إذا كان سفر طاعة كالسفر للعلم أو العمل أو الترفيه المباح أوزيارة الأقارب وأمثالها يُبيح للمسلم الإفطار في نهار رمضان ويقضي يوما مكانه بعد رمضان ، وعلة الإفطار هي دفع مشقة الجوع والعطش الذي يترتب عليه ضعف ووهن المسافر ، وعدم إطاقة الصوم ، قال تعالى : (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة 184 . 

ثانيا : بين الله تعالى في كتابة العزيز أن السفر أو المرض وإن كانا من الأعذار التي تُبيح الفطر في نهار رمضان إلا أن الصيام أفضل ؛ لحرمة الشهر الكريم ، وعِظم العبادة في هذا الشهر الفضيل،  والأثر المترتب عليها  (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 184 ، خاصة في زمن أصبحت فيه وسائل السفر أكثر راحة ورفاهية  . 

ثالثا: بناء على النص القرآني إذا سافر الزوجان في نهار رمضان مسافة القصر فيجوز لهما الإفطار بالأكل والشرب دون توسع رعاية لحرمة الشهر الكريم ؛ لأن الله تعالى يُحب أن تؤتى رخصه كما يُحب أن تؤتى عزائمه ، ويستترا أثناء الطعام والشراب حتى لا يُتهما في دينهما لمن رآهما يأكلان ويشربان ولا يعرف عُذرهما . 

رابعاً : لا يشرع للزوجين الإقدام على علاقة زوجية في نهار رمضان ، لأن علة رخصة الفطر في السفر هي دفع المشقة عن المسافر ، وتقوية لبدنه حتى يتحمل عناء السفر ، والجماع لا يدخل تحت هذا المعنى ؛ لأن للزوجين متسع من الوقت في الليلة السابقة للسفر أو بعد مغرب يوم السفر ، ولا يُعترض بافتراض أن تكون الزوجه حائض وطهرت بعد فجر يوم السفر وقد يكون للزوج بها حاجة ، فهذه العلة قاصرة ، وماذا لو لم يكونا مسافرين والحالة هذه ؟ ! هل يصبرا إلى الوقت الذي يشرع فيه ذلك أم يقعا في المحظور في نهار رمضان ؟!. 

خامسا : أن الله تعالى قال : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) البقرة 187 ،  فاللآية وإن كانت واردة لتبين حِل العلاقة الزوجية في ليلة الصيام حيث كانت محرمة قبل نزولها ، فهي تدل من طريق آخر على أن هذا الفعل وهو العلاقة الزوجية لا تتناسب مع نهار الشهر الكريم حتى وإن كان المسافر مفطرا لعذر السفر ، وإنما محلة هو الليل في الوقت الذي أباح الله تعالى فيه للصائم شهوة الفرج .

سادسا : إذا حدث جماع بين الزوجين المسافرين مسافة القصر ، فقد ارتكبا مايتنافى مع حرمة الشهر الكريم وخلاف الاولى وليس عليهما إلا القضاء فقط لعدم وجود نص صريح في المسألة.

سابعاً : أن لنهار رمضان حُرمة مثل حُرمة الإحرام بالحج أو العمرة ، والعلاقة الزوجية لا تُباح في الإحرام إلا بعد التحلل الأكبر ، وكذلك لا تباح العلاقة الزوجية للزوجين المسافرين في نهار رمضان إلا بعد التحلل الأكبر من الصيام وهو غروب الشمس حتى وإن كانا مفطرين ، لأن الشرع أباح لهما الطعام والشراب للإعانة على السفر ، والجماع لا تتوافر فيه هذه العلة  ، ولا يُعترض علينا بأنه قياس مع الفارق ، بأن الجماع من محظورات الإحرام ، والفطر للمسافر من الرخص فكيف تُقاس الرخصة على المحظور ، أقول وجه القياس هو حرمة الزمن الذي يقع فيه الفعل ، فكما أن الجماع محرم في زمن الإحرام ، فكذلك هو ممنوع في زمن الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حتى وإن كان صاحبه مفطرا بالطعام والشراب  

ثامنا : أن لنهار رمضان حرمة مثل حرمة زمن الاعتكاف ، فكما أنه يحظر على المعتكف الجماع أثناء الاعتكاف وإن كان الاعتكاف بدون صوم ، (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، )  فكذلك لا تشرُع العلاقة الزوجية في نهار رمضان لحرمة الوقت وإن كان صاحبه مفطرا لعذر يُبيح له الطعام والشراب ، (َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)  التغابن 16 . والله تعالى أعلى وأعلم .


Share To: