أمي بعد أمي ...🌹| بقلم أ. د روحية مصطفى الجنش 


أمي بعد أمي ...🌹| بقلم أ. د روحية مصطفى الجنش
أمي بعد أمي ...🌹| بقلم أ. د روحية مصطفى الجنش


تشتكي كثير من الزوجات من المشاركة في معاونة أهل الزوج وخاصة والديه! ، وغالباً هذه الشكوى تكون من الزوجات اللاتي تزوجن في بيت يجمع أهل الزوج - بيت عيلة - ، وتعتذر بعض الزوجات عن ذلك بقولها : أنه لا يجب عليها شرعا خدمة والدي الزوج لعدم وجود دليل في الشرع على ذلك!؟ 

أقول عن تجربة شخصية : بأنني درجت في بيت زوجي وأنا مازلت في المرحلة الثانوية ، ولا أبالغ إن قلت أنني خرجت من بيت أهلي لم أتعلم الكثير من شؤون البيت ، ولكن ما أتذكره أن والدي بارك الله في عمره قال لي جملة لا يزال صداها في أذني إلى اليوم : " لا أراك هنا إلا زائرة " وكان هذا منهجه في تربية البنات، بأن بيت البنت هو بيت زوجها، ومن فضل ربي ورحمته  أن تلقتني والدة زوجي بالرعاية والتوجيه لمدة سبع سنوات وأنا في القرية ، فكانت أمي بعد أمي ، ولا أدعي أنني خدمتها كما تخدم البنت أمها ، ولكن هي من خدمتني أنا وأطفالي في هذه المرحلة ووقفت بجانبي حتى حصلت على درجة الليسانس ، والله إني أراها وهي تحمل طبق الطعام بيدها وتستند باليد الأخرى منحنية على الدرج لتصعد لي به وأنا أذاكر،  ولكن ماكنت أقدمه لها هو وجودي دائماً بين يديها ، أتقبل نصائحها بصدر رحب ، وكذا أتقبل عتابها إن جانبني الصواب ، وكنت أرى رضى زوجي في إرضائي لها واحترامها والإحسان إليها بالكلمة الطيبة ، ومعاونتها في شؤون البيت قدر معرفتي دون أن تطلب ، وكنت دائماً أقول لنفسي لو وزنتها بأمي التي ولدتني رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جناته من حيث معاملتها لي لرجحت كفتها ؛ فكثيرا ماضربتني أمي وعنفتني عند مخالفة توجيهاتها- على عادة الأمهات - ، ولم يقع ذلك من أم زوجي ، وإذا ماحدثت مشكلة بيني وبين زوجي سارعت بحلها ومعاتبة ابنها ، ونصحتني بالمحافظة على بيتي ، ولكن إن شكوت إلى أمي – ولم يحدث مطلقا، لأن بيت والدي لا يفتح لنا هذه الذرائع – مؤكد ستُعينني على زوجي ، وربما نصحتني بمعاملة زوجي وأهله بصورة تجلب لي المتاعب ، وكنت أرى حبها لأولادي وعدم تضجرها من إحداثهم فوضى في بيتها، وتحملها لي ولهم على المدى الطويل ، وحينما كانت تأتي مناسبة مثل عيد الأم أطلب من زوجي أن يشتري لي هدية متواضعة  أقدمها لها ، وماطلبتها لأمي بحال ، كما كنت أعين زوجي دائما على برها ، ومادخل شقتي بشيئ من الطعام أو الشراب إلا ترك عند والديه مثله قبل أن يدخل به شقتي ، وحينما عينت معيدة بالجامعة تركتها وانتقلت إلى القاهرة حزنت حزناً شديداً كاد أن يذهب بعقلها ،  فقد علمت أنها كانت تجلس في الدور الأول الذي تسكن فيه وتنظر إلى شرفة شقتي وتنادي عليً وهي تبكي ، وكنت أقول لنفسي في يوم من الأيام سأصبح (حماة ) وطالما أن القاعدة تقول : كما تدين تدان ، إذن أزرع خيراً لأحصد خيرا . 

وأما عن الدليل الشرعي على استحباب ذلك وندبه  لمن تطلبه فأدلة كثيرة من القرآن والسنة من ذلك : 

1- قوله تعالى : ( وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ ) البقرة 237

2- وقوله عز وجل (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) آل عمران 92 .


3- وقوله سبحانه وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة 2 .

 4- وقوله عز من قائل (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) الرحمن 60 . 

5- ومن سبة المصطفى صلى الله عليه وسلم (مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء.....) مسلم . 

6- وكذا حديث جابر الثابت في الصحيح أنه تزوج ثيبا ، ولما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخبره أن له أخوات فأحب أن يتزوج امرأة تقوم بأمورهن ، ولم ينكر عليه النبي ذلك . فإذا جاز للمرأة خدمة أخوات زوجها ، فمن باب أولى خدمة والديه مااستطاعت الزوجة إلى ذلك سبيلا  .

7- القاعدة الشرعية : " المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً " ، ومن المتعارف عليه عرفاً ، أن المرأة تقوم على رعاية والدي الزوج خاصة إذا كانا معها في بيت واحد وليس لهما من يقوم على شؤنهما  في كبرهما ، ألم يرعى الصديق رضي الله عنه امرأة عجوز وكان يساعدها في أمور بيتها لكبر سنها وكف بصرها ، ولم تكن له أماً ولا حماة ؟! . والله تعالى أعلى وأعلم .



Share To: