معاناة موظف | بقلم الأديبة المصرية خلود أيمن
السلام عليكم ،
معاناة موظف :
استلقى على سريره بعد إجهاد يوم شاق في العمل ، هذا الوقت من اليوم الذي ينتظره كل يوم بدايةً من الصباح الباكر الذي يرتدي فيه تلك البذَّة المكررة التي يذهب بها إلى العمل حيث يَمقُتها كما يكره عمله ويَوُد التحرر منها مذُ أنْ يرتديها ، وبعدما يستيقظ من تلك القيلولة القصيرة يقرر الذهاب للمطعم المجاور لتناول بعض الطعام الذي يَسِد جوعه والمسمى بوجبة الغذاء التي لا يأكل سواها تقريباً على مدار اليوم بفعل قِلة ماهيته ورفض المدير رفع المرتبات وهذا ما يُزيد من كرهه للعمل الذي لا يجد منه العائد المُرضي لكل ما يبذله من جهود فيرغب في تركه في أقرب فرصة ولكن تلك الفرصة لا تسنح أبداً فيضطر للاستكمال في تلك المهنة ولو بشكل مؤقت لحين إيجاد أفضل منها حيث تُدِر عليه بعض المال الذي يكفي قوت يومه على أقل حال ولكنه يفكر في المستقبل فكيف يتخيل أنْ يلبي هذا الأجر الزهيد متطلبات أسرته فيما بَعْد وهذا ما يُنغِّص عليه حياته ويجعله في حالة سُخط دائم على الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد من غلاء الأسعار وقلة الأجور ، ثم يعود ويسأل حاله كيف يعيش البسطاء الأقل منه مالاً فيحمد الله كثيراً على هذا الرزق الزهيد الذي يَكفيه ويستره ويُلبي حاجياته القليلة ، وفي اليوم التالي يعود ليمارس نفس الطقوس بلا جديد وهذا ما يُضفي مزيداً من الملل والبؤس على حياته التي يعيشها وحيداً تجنباً لازدياد المخاوف إنْ قرر الارتباط بأحد في ظل تلك الظروف الراهنة ، فهو ليس بحاجة لمزيد من المسئوليات والشعور بالذنب والتقصير نتيجة توريط شخص آخر معه في تلك الأوضاع التي لا يقدر على التَكيُّف معها وحده حيث يُصيبه التذمُّر من حين لآخر رُغماً عن إرادته فكيف سيتحمله أحد أيضاً بحالته تلك ، فهو يعيش في ضغط دائم ويعاني من الإفلاس في نهاية كل شهر دون أنْ يخبر أحداً ، يُكفي ذاته بكل الأشياء المتاحة التي يملُكها دون أي شكوى لأي إنسان ، ولكنه قد يشكو لمديره حينما يفيض به الكيل من فترة لأخرى مُطالباً بزيادة الراتب بعض الشيء فيُجاب طلبه بالرفض أو التأجيل كما هو معتاد فيُفضِّل الصمت والعيش في هدوء دون أنْ يطالب بأقل حقوقه التي تمكِّنه من عيش حياة آدمية كسائر الخلق ، لذا فالنوم هو الحل الأمثل والجزء الأفضل من اليوم بالنسبة إليه الذي ينتظره بفارغ الصبر حيث يُخلِّصه من التفكير في كل تلك المسائل المعقدة ومن هؤلاء الذين يتهمونه بالتذمر وعدم الرضا بحاله أو ينظرون إليه ببعض التعجب والدهشة نظراً لغضبه الدائم الذي يَبعث الشَرار من عينيه دون أنْ يدري ، فهو عابس الوجه دائماً لا يكاد يبتسم مرةً ولو بالخطأ ولكنهم ليسوا على علم بظروفه التي اضطرته لاتخاذ هذا الشكل بصورة دائمة حيث يرى أنه لا داعي للنفاق والابتسام الذي لا يُعبِّر عن حالِه بالمرة ...
Post A Comment: