موسيقى الشعر العربي المعاصر |بقلم دكتور / جمال فودة - عضو الاتحاد الدولي للغة العربية كاتب وناقد وأكاديمي مصري
موسيقى الشعر العربي المعاصر |بقلم دكتور / جمال فودة - عضو الاتحاد الدولي للغة العربية كاتب وناقد وأكاديمي مصري |
ظهر أول تفسير نقدي لحركة الشعر الجديد ـ تقريباً ـ في مقدمة ديوان نازك الملائكة " شظايا ورماد " سنه 1949 م ، حيث أعلنت ثورتها على موسيقى الشعر القديم قائلة " ألم تصدأ لطول ما لامستها الأقلام والشفاه منذ سنين وسنين ؟ ألم تألفها أسماعنا وترددها شفاهنا ...، منذ قرون ونحن نصف انفعالاتنا بهذا الأسلوب حتى لم يعد له طعم ولا لون ، لقد سارت الحياة ، وتقلبت عليها الصور والألوان والأحاسيس ، ومع ذلك ما زال شعرنا صورة لقفا نبك ، وبانت سعاد ، والأوزان هي هي ، والقوافي هي هي ، وتكاد المعاني تكون هي هي " . (1)
ودعت الشاعرة إلى التحرر من أسر الشطرين والالتزام بالقافية والتفاعيل الثابتة المحددة العدد، ودعت إلى الاهتمام بالإيقاع النفسي وربطه بالموسيقى حتى تصبح القصيدة الشعرية الجديدة صورة موسيقية متكاملة تتلاقى فيها الأنغام مع مشاعر الشاعر وأحاسيسه .
وهكذا ومع أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات اتجهت القصيدة العربية إلى شعر" التفعيلة " وإلى نوع من التحرر في القوافي ، إن ثمة حاجات اجتماعية وفنية عامة دفعت الشعراء إلى التحرر من أسر التقليد ، والخروج إلى رحابة الشعر الحر ، والخروج على تفعيلات العروض الخليلي إلى استخدام التفعيلات بعدد خاص وكيفية معينة تقود إليها تلقائياً شعرية الشاعر ورؤيته ، وما يدفعه إليه الموقف والحالة ، وما تمليه عليه تجربته الشعرية .
" فالشعر الحر اندفاعة اجتماعية فرضتها عدة عوامل تتلخص في : النزوع إلى الواقع والحنين إلى الاستقلال ، والنفور من النموذج ، والهروب من التناظر ، وفوق كل ذلك إيثار المضمون " . (2)
هذا وإن كان الشاعر العربي الحديث في محاولته لتطوير الشكل الموسيقى للقصيدة العربية، واكتشاف إمكانيات تعبير وإيحاء موسيقية جديدة لم يتخل كلية عن الشكل الموسيقى القديم ، كل ما في الأمر أن القصيدة الحديثة تحررت موسيقياً من الجبرية وحتمية البحور الخليلية ، ووثنية القافية الموحدة ، وأصبحت " موسيقى هذا الشعر تأتي من فعل الكتابة نفسه ومن المعاناة المستمرة والمغامرة مع المجهول اللغوي والنفسي ". (3)
" وقد شهدت قصيدة الشعر الجديد منذ بدايتها وحتى الآن ثلاثة أجيال متعاقبة من الشعراء : جيل الأربعينيات ، وجيل الخمسينيات ، وجيل الستينيات ، ومن الممكن أن نضع في الجيل الأول الشعراء أمثال : عبد الرحمن الشرقاوي ، وصلاح عبد الصبور ، وأحمد عبد المعطى حجازي ...، ومن شعراء الجيل الثاني : كمال عمار ، ومحمد إبراهيم أبو سنة ، وعبد المنعم عواد يوسف ، وحسن فتح الباب ، ومجاهد عبد المنعم...، ومن شعراء الجيل الثالث : أمل دنقل ومحمد عفيفي مطر ، وأحمد سويلم ..." . (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ نازك الملائكة: ديوان" شظايا ورماد " – دار العودة - بيروت – 1971م – ص7
2ـ : قضايا الشعر العربي المعاصر ــ الطبعة الثانية – دار العلم للملايين – بيروت – 1992م – ص 56
3ـ نزار قبانى : قصتى مع الشعر "سيرة ذاتية " ــ الطبعة الأولى – منشورات نزار قبانى ــ بيروت – 1973م – ص178
4ـ السعيد الورقى: لغة الشعر العربي الحديث ( مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية ) – دار المعرفة الجامعية - إسكندرية - ( د0ت ) – ص190 ، 191
Post A Comment: