سؤال وجواب عن زكاة الفطر فى رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


سؤال وجواب عن زكاة الفطر فى رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
سؤال وجواب عن زكاة الفطر فى رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 


#قد يسأل سائل ويقول :


لماذا فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام ولم يفرض قيمة معينة من الدراهم والدنانير ؟


#نقول بفضل الله تعالى :


كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بغرض التيسير علي الناس ، إذ كان الناس وقتها يتعاملون معاً بطريقة المقايضة في السلع، وهي الطريقة التي كانت سائدة  وكانت النقود إذ ذاك نادرة ولا يكاد يوجد منها إلا القليل عند أكثر الناس ، كما كان الفقراء إذ ذاك ففي حاجة ماسة إلي البر والتمر والشعير لأنه غذاؤهم اليومي المعتاد .


ولذا كان إخراج الطعام أنفع للأخذ ، وأيسر على المعطي كما أن القوة الشرائية للنقود تتغير من زمن إلي زمن ومن بلد لآخر فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والانخفاض ، ولذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير لأنه يمثل قدراً محدداً من الطعام يشبع حاجة بشرية محددة لا تختلف فكان هذا أقرب إلي العدل وأبعد عن التقلب.


إن الذين قالوا بالقيمة في زكاة الفطر مجتهدون مأجورون علي كل حال ، واجتهادهم هذا موافق لفقه واقعنا المعاصر ، فمن أخذ به من جمهور المسلمين لم يبعد عن الحقل الحق ولا ينبغي أن نحول هذه المسألة الفقهية إلي معركة ونجعلها حداً فاصلاً بين السنة والبدعة ، وقد رأينا أن لكل دليلاً .


#هذا ليس رأي أبي حنيفة رحمه الله فقط وحده ، بل وافقه بجواز إخراج القيمة عطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري، وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه، قال ابن رشيد :


وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل . 


(فتح الباري 5/57). 


قال أبو إسحاق السبيعي - وهو أحد أئمة التابعين- : 


أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام . 


(رواه ابن أبي شيبة 3/65). 


واستدلوا بأمور :  


أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .


كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج القمح وهو غير منصوص عليه عن الشعير والتمر ، ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.


ولو أمعنا النظر إلى كلمة القيمة فليس المقصود هو الطعام المنصوص عليه ، وانما ما يساويه عند التقييم .


وما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من  القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية رضي الله عنه : 


" إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر" فهم قدروه بالقيمة. 


(انظر فتح الباري 5/144).


ولو راجعنا النصوص الواردة لوجدنا فيها الدلالة الواضحة على مقاصد الشريعة التي هي سد حاجة الفقير ، فإن دفع الطعام قد لا يسد حاجة الفقير اليوم لأنه قد يحصل عليه من خلال البطاقة التموينية ، ولكن لا يحصل على النقد لشراء الكسوة ودفع  ايجار السكن وعلاج المريض وغيرها .


فالذي أفهمه من رأي جماهير أهل العلم رحمهم الله ، أنهم لم يواجهوا ما نواجهها من المشاكل اليوم ، ففي زمانهم كان الفقير بأمس الحاجة إلى الطعام لا الى القيمة "النقود" ، وربما في قابل الأيام يكون الحاجة الى الطعام لا النقود . 


وما أروع قول بعض اهل العلم قولهم :


الأفضل دفع ما هو أصلح للفقير .


#والحديث الذى أخرجه البيهقى والدارقطنى عن ابن عمر قال:


فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر وقال: أغنوهم في هذا اليوم .


وفي رواية للبيهقي:


أغنوهم عن طواف هذا اليوم .


وأخرجه أيضاً ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد .


وهذا الحديث دليل قوي لمن يرى جواز القيمة في زكاة الفطر ، لأنه يبين أن المقصود من شرع الزكاة إغناء الفقير يوم العيد ، وهذا يتحقق بالطعام ويتحقق بالقيمة .


#ولقد جوز ابن تيمية القيمة في زكاة المال وقال:


وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به :


مثل أن يبيع ثمن بستانه أو زرعه بدراهم ؛ فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه.


وهذا الكلام ينطبق علي زكاة الفطر أيضاً من باب أولى.


#كما جاء في مصنف ابن ابي شيبة عن أبي اسحاق قال:


أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام .


وفيه أيضاً عن عطاء:


أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقاً- أى دراهم فضية .


#وجاء في مصنف ابن أبي شيبه عن قرة قال :


جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان، أو قيمته نصف درهم .


#وهذا لم يكن مجرد رأي شخصي لعمر بن عبد العزيز، وإنما جعله أمراً عامّاً، وأمر واليه أن يأخذ من أهل ذلك البلد نصف درهم عن صدقة الفطر ولم يقع عليه اعتراض، والتابعون والأئمة حاضرون متوافرون، وعمر هو من العلماء المجتهدين .


#وعن الحسن البصري قال : 


لا بأس أن نعطي الدراهم في صدقة الفطر .


وأبو إسحاق السبيعي قال : 


أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام .


إذن فالقول بجواز القيمة ليس جديداً ، بل عمل به في خير القرون فلا وجه للإنكار على من يأخذ به اليوم !




Share To: