من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلمَ في العشر الأواخر من رمضان الاجتهاد في الطاعة، ومنه الاعتكاف في المساجد .


والاعتكاف هو لزوم المسلم المميز مسجداً لطاعة الله عز وجل، وهو سنة وقربة إلى الله تعالى.


 قال تعالى:


 {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]


وهذه الآية دليل على مشروعيته حتى في الأمم السابقة .


وقال تعالى:


 {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]


وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بعده. 


متفق عليه


وأجمع المسلمون على مشروعيته، وأنه سنة، لا يجب على المرء إلا أن يوجبه على نفسه كأن ينذره.


والاعتكاف عبادة لها شروط لا تصح إلا بها، وهي:


أن يكون المعتكف مسلمًا مميزًا عاقلاً: 


فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصبي غير المميز؛ أما البلوغ والذكورية فلا يشترطان، فيصح الاعتكاف من غير البالغ إذا كان مميزًا، وكذلك من الأنثى.


النية:


 لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


إنما الأعمال بالنيات . 


متفق عليه


فينوي المعتكف لزوم معتكفه؛ قربةً وتعبدًا لله.


أن يكون الاعتكاف في مسجد: 


لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]


ولفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل عنه أنه اعتكف في غيره.


أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه صلاة الجماعة: 


وذلك إذا كانت مدة الاعتكاف تتخللها صلاة مفروضة، وكان المعتكف ممن تجب عليه الجماعة، لأن الاعتكاف في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة يقتضي ترك الجماعة وفوات أجرها أو وجوبها –على القول به- أو تكرار خروج المعتكف كل وقت لها، وهذا ينافي المقصود من الاعتكاف، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد سواء أقيمت فيه الجماعة أم لا. 


هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة منعت منه.


 والأفضل أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه الجمعة، لكن ذلك ليس شرطًا للاعتكاف.


الطهارة من الحدث الأكبر:


 فلا يصح اعتكاف الجنب، ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد.


والصيام ليس شرطًا في الاعتكاف:


 لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: 


أوف بنذرك .


أخرجه البخاري ومسلم


 فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل، لأنه لا صيام فيه. 


ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لإحداهما وجود الأخرى.


هذا ويصح الاعتكاف بالمكث في المسجد مقدارًا من الزمن ولو كان يسيرًا، إلا أن الأفضل ألا يقل الاعتكاف عن يوم أو ليلة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من أصحابه الاعتكاف أقل من ذلك.


وأفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان:


 لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: 


أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بعده. 


متفق عليه


جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:


 اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِعْتِكَافَ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ الاِعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ أَنْ يَدْخُل الْمَسْجِدَ قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَيَغْدُوَ كَمَا هُوَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


قَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: 


كَانُوا يُحِبُّونَ لِمَنِ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى مِنَ الْمَسْجِدِ، لِئَلاَّ يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ، تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ، وَلِمَا ثَبَتَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ .


وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


 مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأْوَاخِرَ. 


إن الاعتكاف عبادة يخلو فيها العبد بخالقه، ويقطع العلائق عما سواه، فيستحب للمعتكف أن يتفرغ للعبادة، فيكثر من الصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والتوبة، والاستغفار، ونحو ذلك من الطاعات التي تقربه إلى الله تعالى.


ويباح للمعتكف الخروج من المسجد لما لابد منه؛ كالخروج للأكل والشرب، إذا لم يكن له من يحضرهما، والخروج لقضاء الحاجة، والوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة.


ويبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجة عمداً، وإن قلَّ وقت الخروج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: 


وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً .


أخرجه البخاري


ولأن الخروج يفوت المكث في المعتكف، وهو ركن الاعتكاف.


ويبطل بالجماع، ولو كان ذلك ليلاً، أو كان الجماع خارج المسجد؛ لقوله تعالى: 


{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 


[البقرة: 187]


ويبطل بما في حكمه من الإنزال بشهوة بدون جماع كالاستمناء، ومباشرة الزوجة في غير الفرج.


ويبطل بذهاب العقل، فيفسد الاعتكاف بالجنون والسكر، لخروج المجنون والسكران عن كونهما من أهل العبادة.


ويبطل بالحيض والنفاس؛ لعدم جواز مكث الحائض والنفساء في المسجد.


ويبطل بالردة عياذًا بالله؛ لمنافاتها العبادة، ولقوله تعالى:


 {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 


[الزمر: 65].




Share To: