الرقص البطىء.. Slow Dancing | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة


الرقص البطىء.. Slow Dancing | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة
الرقص البطىء.. Slow Dancing | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة



الرقص الهاديء ، أو الـ Slow Dancing هو استدراج من نوع ما وهو فلسفة نفسية عظيمة بين الزوجين، لكن لا تقترب من هذا النوع من الرقص إلا إذا أقمت بُنياناً قوياً وصنعت ذكريات لا تفصل بينك وبين الحضن الآخر ، ولا يغيب عنها دفء المشاعر ، وتتلاشى فيها التنهيدات ، ويحل محلها أنفاس الاشتياق ، ليتحدث الصمت بأجمل مافي مكنون هذه الأحضان .


اكتشف الباحثون أن الحضن يجعل الجسم يفرز هرمون الأوكسيتوسين المعروف أيضا باسم "هرمون العناق"، والذى يجعلنا نشعر بالترابط الاجتماعى ويعزز مشاعر الإخلاص والثقة والترابط، لافتين إلى أنه يضع الأساس البيولوجى بين الأشخاص.


هذا النوع من الرقص ليس فناً فقط بقدر ماهو مِجهَر كاشف لحالة الطرفين ، لاحظ اقتراب المسافة إلى حد الأُنس والاسترخاء وسَكَن الحضن بالحضن ، يصحب ذلك لغة الصمت ، مع تأثيرات صوتية منخفضة للأنفاس الدافئة المُتبادلة بين الطرفين .

هناك مَن يعيش هذه الحالة لدقائق معدودة وهو غارقُُ في الحب ونعومة الحَدَث ورِقة الموسيقى ، وبقلبِِ صافِِ و روح مُحلقة في السحاب .

وهناك أحضان أخرى تشكو بعضها البعض بلغة الصمت ، وتنهيدات الأنفاس المُنهكة من طول طريق الصبر ومحاولات منح الآخر الفرصة تلو الفرصة لإصلاح ما أفسدته تفاصيل الحياة .

أثناء هذه الأحضان نقضي هذه الدقائق في مراجعة سيناريو الخلاف والاختلاف الذي فيه من جراح التهميش وعدم الاهتمام والاكتراث بالوجع النفسي ، مع مشاهدة شريط كامل من التنازلات التي لم تُجدي نفعاً ، وتَسبَحُ في الذكريات القريبة والبعيدة التي تفصل بينها وبين الحضن الآخر آلاف الأميال ، على الرغم من أن الذي بينهما سنتيمترات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ‼ ️ونظرة عَين حادة وجريئة مقابل عَين تَزيغ وتهرب وتتمنى أن تنتهي الرقصة للفرار من هذا الامتحان الصعب .

هذه الرقصة لا تختلف كثيراً عن جلسة عتاب طويلة بما فيها من شَد وجذب ولَومٍ واتهامات متبادلة ، جلسة طويلة يتناقش فيها الطرفان ، والفارق بين الرقصة الصغيرة والجلسة الطويلة أنها بدون كلام ، لكنه مضمون واحد تختصره تلك " اللعبة " أو الرقصة في دقائق

فإذا فشلت مفاوضات واستدراج الرقصة البطيئة، يصبح المرء حبيس اللاشىء. و اللاشيء هو تشعر به عِندما يجرحُنا أحَب الناسِ إلينا ويسألُنا:"ما بِكم" فنُجيب : لا شيء. عندما نكون بحاجة ماسّة إلى كل شيء ويسألُنا أحدهم: "هل أنتم بحاجةٍ إلي شيء؟ فنُجيب : لا شيء. عندما تجثو جبال الهم والغم في صدورنا ويسألوننا :"ما الأمر؟" ونُجيب لا شيء. وتبقى لا شىء هى عنوان كل شىء بحياتنا. لاشيء..ما أقساها تختَصِرُ آلاف المشاعر والأحاسيس و تجمعُها تحت ظِلها ، تكبتُ الحُزن والأسى والتعاسة والحاجة كلها تجمعُها تحت قناعٍ زائف وابتسامة هادئة.. لاشيء ..عبارة مختصرة عندما يمتلىء القلب بِكل شيء. حينَ نعجز عن التعبير عمّا بداخلُنا ، حينَ نُدرك أنّه لن يفهم وجعنا ويشعُر به أحد نكتفي بالقول لا شيء وكل الشيء فينا.


متعبون نحنُ من إدمان الصمت وتبَنّي الهدوء ، من إختيار الثبات والبرود وكل ما بداخلنا يحترِق.. متعبون من تجاهل أوجاعنا والظهور أمام الجميع بصورة الأقوياء الغير مبالين لما يحدث معهم.. متعبون من ترتيب ملامحنا وإخفاء دموعنا خلف إبتسامات مزيّفة لمواجهة الحياة.. متعبون جداً لأنّ الصمت فُرِضَ علينا ونحن في عز الانهيار


فالاشتياق لشخص تحبه هو نوع من انواع اللاشىء .

لا يعاقبنا عليه القانون، لكن تعاقبنا به الأيام بالحرمان. وكم من رسائل نكتبها ونحذفها...وكم من كلمات ...بها اشتياق. واهااات......وكم. وكم .وكم من ضحكات تخفي ورائها جبال من الوجع.


ويصف محمود درويش فى أثر الفراشة كيف يتكاثر اللاشىء فيقول : يحبُّ العبدُ طاغيةً، لأن مَهابة اللاشيء في صنم تُؤَلِّهُهُ ويكرهُهُ . إذا سقطت مهابته على شيء، يراهُ العبد مرئيّاً وعاديّاً فَيَهْوَى العبدُ طاغيةً سواهُ، يطلُّ من لا شيءَ آخرَ ....هكذا يتناسل اللاشيء من لا شيء آخرَ ...ويصبح اللاشيء هذا السيِّدُ المتجدِّدُ ,المتعدِّدُ , المتجبرّ, المتكبرِّ, اللزجُ المُهَرِّجُ....ربُمَّا هذا اللاشيء هو وعكةٌ رُوحيَّةٌ أو طاقةٌ مكبوتةٌ أو , ربما هو ساخرٌ متمرِّس ٌفي وصف حالتنا !




Share To: