خاطرة طفل : بقلم الكاتب  الجزائري  عبدالعزيز  عميمر


خاطرة طفل : بقلم الكاتب  الجزائري  عبدالعزيز  عميمر
خاطرة طفل : بقلم الكاتب  الجزائري  عبدالعزيز  عميمر



كان قائدا منذ الصغر،يصفّف الأطفال مثله،ويأمرهم بالسير،واحد،اثنين،واحد،اثنين،إنهم جنوده يدرّبهم يوميا،في يده عصا،لا تبارحه ابدا،يرسم بها الخطوط،ويسوي بها الصفّ.


_كل الأطفال في سنّه تحت طاعته،إنه الآمر الناهي،يغلبهم واحدا واحدا،وإذا ظلم أحدهم جاء إليه يشكو،قائد بالفطرة،وممازاد ذلك ثباتا ،عندما رآه يوما ذلك الدرويش الذي يزور القرية من حين لآخر،تفحّص وجهه مليا وقال: ابنك سيصير له شأن عظيم،سيحكم وذات يوم ،جرب قراءة كتاب: قرعة الأنبياء،

واغمض عينية وقرأ سورة الفاتحة ثلاث مرات،ثم وضع أصبعه في مربعات صفحة قرعة الأنبياء، نفس الشيئ ،سيسود ويحكم ،وله شأن عظيم،قرعته كانت مع النبي سليمان ،وكان يحكم في الجن،وهو يحكم في الأطفال ، لا بأس له الأطفال،ولسليمان العفاريت.


_دخل الأطفال في قاعة كبيرة غريبة،جميلة، ليس مثل أكواخهم ،ولا بدّ  من تفويجهم لانطلاق الدروس في ( الكولاج) ومعرفة المستويات،1.2.3...من منكم يعرف كتابة اسمه بالفرنسية ؟ فتأخر! واحمرّ وجهه،هو لا يعرف كيف يكون اسمه؟ جورج؟ جان؟فليب،أيكون روميا ! يالطيف ! ويترك لوحته! وقرآنه! وعربيته! لا! لا! لكن الغريب فالاسماء لم تتغير كتبت فقط بالحرف الفرنسي،الرومي الكافر! هو لا يتحول روميا أبدا .


_هو يقرأ الدرس فقط( عمر تلميذ نظيف يحمل محفظته الجديدة ويتوجه للمدرسة) أعد مرّة أخرى ،احفظها،حفظتها سيدي!


_ايه فرق بينه وبين الطفل عمر الجميل النظيف ، المصوّر في كتاب القراءة للمبتدئين ،بتلك المحفظة الحمراء الجديدة التي تلمع، والحذاء الجلدي يبرق من بعيد ،ويتلوّن تحت الأشعة،والمحفظة ملآنة بالأدوات ،من كل نوع،أحبّ أقلام التلوين في العلبة الكبيرة! آه لو كان يملكها ،لوضعها مع الوسادة لجمال ألوانها وعلبتها المزركشة، إنه فقير، ويظنون أن فقره ظهر لغبائه، هو لا يعرف أبدا من أين يأتون بتلك الأدوات ؟ أين تصنع؟ لا شك تكون في فرنسا! أو ألمانيا،أما في القرية ،فهي ملآنة بالنعاج والخرفان، والماعز ،والبقر،كل بلد مختص بشيئ ،هم بعلب الألوان والمحفظة الحمراء، وعندهم عمر،ونحن عندنا الحيوانات ،نربيهاونحبّها ،ونرقد بجانبها.


_تعلّم وقلّد صياحها،وثغاءها،وخوارها،يقلّد كل شيئ ،حتّى تقول فعلا هذه أصوات الحيوانات، إنه بارع،براعة القرية،تعطي الخروف،ولا تعطي علبة ألوان،آه،لو وجد أحدا، فيسرق خروفا ،ويستبدله بمحفظة حمراء وعلبة ألوان طويلة،آه لويحصل ذلك! سيبرهن لهم عن براعته

في الرسم،وليس عمر ابن المدينة هو الذي يعرف فقط،إنه ابن القرية لكن ينافسه،والألوان تطاوعه،،،،،.


_ايه الفقر،المخ موجود،والمحفظة غائبة،اليد بارعة والألوان مفقودة،لو عثر على الأقل على حذاء،ليقي أصابعه من ضربات الحجارة،ومياه الأمطار،ومن الشوك الذي يخافه لحمه ! كم مرة سال دمه! كم ! وكم!،،،يضمّده بقطعة قماش فقط ولا ينتبه إليه،لا قريب ولا غريب ، فإذا أظهرت أصابعك المجروحة،قيل لك: تستحق ذلك يا أعمى! تمشي وتنظر للسماء،فالشوك والحجارة،بريئة،لا لوم عليها،اللوم على الأعمى،فصار يسكت ولا يبيّن أبدا

جراحه،ولا يشكو ولا يتكلّم أمامهم ،حتى لا ينال التوبيخ،يصبر على الألم،والدم ،الله غالب! ولا يصبر على ما تقذفه افواههم،ولكنهم كبار،وافواههم تقطر عسلا،لكن لا نلحس تلك الحلاوة،كلما تذكرتها تهيأت فأخرج ما في جوفي.


_لا ادري كبرنا مع الشوك،أم الشوك الذي كبر معنا،هو يحب الشوك،ولا يلومه ابدا،أحيانا يصير حريرا،ووشاحا يغطي به فقره،وتارة يعطيه للمعزاة ،ييبس ويصير:  (ڨوفريت )،هش سريع المضغ والهضم.


رغم ماقلت ،كنت سعيدا ،واقتنع بما في يدي،ولا تسرق عيني صور وجمال الآخرين،كنت أعرف أن صورتي جميلة،وستبرز للوجود،لكنها فاكهة لم تنضج

بعد،سأنتظر ،والانتظار صديقي لا أفارقه.


الكاتب  الجزائري  عبدالعزيز  عميمر.



Share To: