قيمة الزّمن | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
![]() |
قيمة الزّمن | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف |
قال الطّيبي رحمه الله تعالى :
إن الأوقات والسّاعات كرأس المال للتّاجر ، فينبغي أن يتّجِرَ فيما يربحُ فيه، وكُلّما كان رأسُ ماله كثيرًا ، كان الرّبح أكثر ، فمن انتفع من عمره بأن حَسُنَ عملُهُ ، فقد فاز وأفلح ، ومن أضاع رأس ماله ، لم يربح وخسِرَ خُسرانًا مبينًا .
الزَّمَنُ وَالْوَقْتُ مِنْ أَثْمَنِ الأَشْيَاءِ الَّتِيْ لا يَسْتَطِيْعُ الْإِنْسَانُ شِرَائهَا ، فَهُوَ يَمُرُ بِسُرْعَةٍ ، وَلَا يُمْكِن أنْ يَعُوْد الزَّمَنُ إِلَى الْوَرَاءِ ؛ فإن لِلْوَقْتِ في الْإِسْلَامِ ؛وَخَاصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قِيمَةً عَظِيمَةً ، فَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ ، مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا يَعُودُ ، وَمَنْ فَرَّطَ فِي وَقْتِهِ وَعُمُرِهِ فَقَدْ فَرَّطَ فِي خَيْرٍ كَبِيرٍ ؛ لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُضَيِّعُ عُمُرَهُ وَوَقْتَه ، وَلا يُحْسِنُ اسْتِثْمَارَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ ؛ بَلْ رُبَّمَا قَضَاهُ فِيمَا يَضُرُّهُ فِي مَجَالِسِ الْغَفْلَةِ وَاللَّهْوِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ .
وَقَدْ اهْتَمَّ الْإِسْلَامُ بِالْوَقْتِ وَبَيَّنَ أَهَمِّيَّتَهُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَمَا فِي الصَّحِيحِ:
نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ .
فَالْخَاسِرُ وَقْتَهُ مَغْبُونٌ كَالَّذِي يَبِيعُ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ ، أَوْ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّ .
ولقد كان السّلف الصّالح ومن سَارَ على دَرْبهم وطريقهم يبادِرُون إلى استغْلال أوقاتهم ؛ لعلمهم بتسابق الأزمنة ، وسرعة الدهر في الانقضاء ، وتلك أمثلة عديدة لنماذج في الحرص على الأوقات ؛ لندرك حجم البون الشاسع بيننا وبينهم :
#قال ابن مسعود رضي الله عنه:
ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربت فيه شمسُهُ ، نقص فيه أجلي ، ولم يزدَدْ فيه عملي .
ويقول الحسن البصري رحمه الله:
يا ابن آدم ، إنَّما أنت أيَّام ، كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك .
وقال أيضًا:
لقد أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ حرصًا منكم على أموالكم .
قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
يَا عُمَرُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ .
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّه كَانَ يَقُولُ :
إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا ، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ .
يَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
إِنِّي لَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي وَقَوْمَتِي .
يَعْنِيْ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ الأَجْرُ مِنَ اللهِ .
وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَه اللهُ يَقُولُ عَنْ حَالِ السَّلَفِ :
أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
ابْنُ آدَم إِنَّ الْأَيَّام تَعْمَلُ فِيْكَ فَاسْبِقْهَا وَاعْمَل فِيْهَا .
ويقولَ ابنُ القيمِّ :
وأعظمُ هذِهِ الإضاعاتِ إضاعتانِ هُمَا أصْلُ كُلِّ إضاعةٍ :
إضاعةُ القلبِ ، وإضاعةُ الوقتِ .
فإضاعةُ القَلْبِ مِنْ إيثارِ الدنيا على الآخِرَةِ ، وإضاعةُ الوقتِ مِنْ طولِ الأمَلِ ، فاجتمعَ الفسادُ كُلُّهُ في اتِّباعِ الهوى وطولِ الأمَلِ .
والصلاحُ كُلُّه في اتِّـباعِ الهُدى والاستعدادِ لِلقاءِ .
قال عليه الصلاة والسلام :
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ :
شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ .
رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين
وقد قيل لملك زال عنه ملكه يومًا : ما الذي سلبك ملكك ؟
فردّ قائلاً : تأخيري عمل اليوم إلى الغد .
وتلك حكمة كنا نراها قديمًا ونحن صغار على الكراسات :
لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد .
وهذا عالِم مجتهد : ابن عقيل الحنبلي رحمه الله كان يقول :
أنا أحب سف الكعك على أكل الخبز ؛ لأن سف الكعك لا يأخذ وقتاً ، وأكل الخبز أنتظر حتى أقطع وأغمس وغير ذلك ، فتذهب الأعمار في الأكل .
وابن عقيل يقول عنه الذهبي :
إنه استطاع أن يؤلف أكبر مصنف في الدنيا وهو كتاب ( الفُنُون )
أي : فنون اللغة ، وفنون التفسير ، وفنون المناظرات ، وفنون الكلام ، وفنون الفلسفة وغير ذلك ، فكل العلوم التي تتخيلها في كتاب الفنون ، فهو (800) مجلد .
وكان ابن عقيل رحمه الله :
إنه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري .
Post A Comment: