العنوسة أسبابها وعلاجها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


العنوسة أسبابها وعلاجها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
العنوسة أسبابها وعلاجها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


إن العنوسة آفة تكاد اليوم أن تكون موجودة في كل بيت فلا يكاد يخلو بيت من وجود شاب أو فتاة بلغت سن الزواج وتجاوزته ولم تتزوج بعد وطال مكثها في بيت أهلها وهى مشكلة مستفحلة ومنتشرة في كثير من بيوتنا ومجتمعاتنا العربية .


بل من أعظم أسباب انتشار العنوسة هي تلك العادات والتقاليد السيئة والأعراف الخاطئة السائدة كالتباهي في المهور والمغالاة فيها والتفاخر في التجهيز لمؤن الزواج وتكاليفه فهذا سبب رئيسي وعائق كبير أدى إلى نشوء هذه المشكلة.


والعنوسة ظاهرةٌ عمَّت المجتمعات، ودخلت أغلب البيوت ، وحطَّمت آمال كثيرٍ من النساء والرِّجال، وخوَّفت كثيراً من الصالحين على بناتهم، فما أسباب انتشارها، وما علاجها.


ومن أهم أسباب انتشار العنوسة:


العادات والتقاليد السيئة التي ساهمت في تفشِّي العُنوسة وتتمثل فى المغالاة في المهور والتباهي بها، وما يُسمى بالأفراح والإسراف فيها  .


وقد تكون العادات والتقاليد السيئة سببًا رئيسًا للعنوسة؛ فمن تلك العادات اشتراط الزَّواج من نفس القبيلة، والضحيَّة في هذا الأمر هنَّ الفتيات .


رفض أغلب الفتيات الزواج بحجَّة إكمال الدراسة، فإذا انتهت من دراستها لم تجد أحداً تقدَّم لها .


أيضاً أزمة المسكن وارتفاع أسعار الإيجارات، وضيق فُرََص العمل.


كذلك الدعوة بمساواة المرأة بالرجل، ومحاربة وتشويه تعدُّد الزوجات والزواج المبكِّر، وتشجيع الصداقة بين الشباب والفتيات .


وقد يَعمد بعضُ الآباء إلى مَنع المتقدمين للزَّواج بسبب أنَّ المطلوبة للزواج هي الصغرى، فلا زواج لها حتى تتزوَّج الكبرى، وتمر السنون، وتذهب الأيام والبنات حبيسات المنزل !


أيضاً الكثير من الشباب يلجأ إلى الهجرة إلى الخارج للبحث عن عمل أو للتعليم، مما يدفعهم إلى الاستقرار في بلاد أخرى غير بلده التى ولد فيها مما يضطره إلى الزواج من فتيات أجنبيات، وذلك نظراً لقلة تكاليف الزواج منهن، أو لأهداف أخرى مثل الحصول على جنسية الدولة التي يتزوج فيها.


هذه هى بعض الأسباب الرئيسة التي تقف وراء العنوسة ؛ والحل لمن أراد الحل ومن أراد القضاء على هذه المشكلة أن يسهل في هذا الأمر ويخفف ويسهل ويبتعد عن المغالاة والتفاخر .


كذلك لمن أراد أن يزيل كل العقبات والتعقيدات من طريقه ليجري الزواج بكل سهولة وبساطة عليه بقول الله سبحانه وتعالى :


﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ 


سورة النور


واسمعوا إلى صاحب مدين ذلك الأب الصالح الذي قال لموسى عليه السلام :


﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾


سورة القصص


وإذا تم التسهيل وأغلق باب التعقيد فإن كثيراً من الشباب لديهم رغبة جامحة في الزواج والإقبال عليه وهناك أسر كثيرة لديها الاستعداد الكامل لتزويج كل شاب صالح طموح بغض النظر عما سيدفع من تكاليف وما سيفعل من تجهيزات وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم :

ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم الناكح يريد العفاف .


كما يجب على الآباء الذين يريدون إعفاف أبنائهم وبناتهم أن يتخلوا عن العادات السيئة والأعراف القبيحة التي تؤدي إلى العنوسة فلا ينبغي لهم أبداً أن يردوا شاباً مصلياً صالحاً تقدم إليهم بحجة عدم التكافؤ في النسب ولا يعقدون الأمور في اشتراط زواج الكبيرة قبل الصغيرة فلكل حظها ونصيبها ومن سهل لتلك سهل الله عليه في الأخرى.


وعلينا اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : 

إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير .


وأن يكون المعيار الأول والأخير عند اختيار الزوج أو الزوجة هو اختيار الأكْفَاء، وتَتَبُّع الصفات التي وضعها الله ورسوله لنا عن الاختيار، ومنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: 


تُنكَح المرأةُ لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفَرْ بذات الدين تَرِبَتْ يداك .


وكذلك لا ينبغي أن تجعل الدراسة عائقاً عن الزواج فالزواج أهم من الدراسة لأن قطاره يفوت والعمر يمضي بخلاف الدراسة فإن مجالها واسع .


وأكد الاختصاصي الاجتماعي أيضًا على ضرورة ألاَّ ترفض الفتاة الزواج لمجرد أنها تريد أن تُكْمِلَ دراستها؛ لأنها من الممكن أن تواصل تعليمها بعد الزواج عن طريق اتفاقها مع زوجها على ذلك، وألا يعتقد البعض أن الزواج قد يعطل المسيرة التعليمية؛ لأن الأمر عكس ذلك تمامًا؛ فإن الزواج الموفَّق يُعينُ على صفاء النفس وراحة الفكر، وفقًا لما أكدته العديد من الدراسات .


وأخيراً:


إن الحل والعلاج لظاهرة العنوسة في المجتمع الإسلامي يكمن في العودة إلى دين الله تعالى بتقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لا سيما في البيت والأسرة، ومعالجة الأزمات والعواصف التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير سبل الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ديننا الحنيف.


اللهمَّ ارزق بناتنا وبنات المسلمين الأزواج الصالحين، اللهم آمين يارب العالمين.



Share To: