أجمل نوتردام ... The Hunchback Of Notre- Dame | بقلم الأديب المصري د. طــارق رضـــوان جمعة


أجمل نوتردام ... The Hunchback Of Notre- Dame | بقلم الأديب المصري د. طــارق رضـــوان جمعة

أجمل نوتردام ... The Hunchback Of Notre- Dame | بقلم الأديب المصري د. طــارق رضـــوان جمعة





جرت العادة أن أكتب مقالاتي أولاً على مسودة خارجية فأضيف من إليه ما تمليه على بنات أفكاري أو أحذف منه ما لا يليق برقى فكر زواري. وهنا اليوم أتردد كثيراً في كتابة هذا المقال وأجد الفكرة تتسرب من بين أناملي, رغم أنى كثيراً ما تعلمت الحب وعلمته, إلا أنني حين أكتب عن أحدب نوتردام أكتب عن جمال داخلي يتناغم مع جمال خارجي. أحدب نوتردام هي قصة للرائع فكتور هوجو. رواية تجمع بين تناقضات عديدة من جمال وقبح, تضحية وأحقاد , حب وكراهية.

أحدب نوتردام ترى فيها البطل "كوازيمودو" بهيئة مخيفة فهو أحدب ، ويعمل  قارع لأجراس كاتدرائية نوتردام الفرنسية. لكنك سرعان ما تنسى قبحه مظهره الخارجي لترى شيئان أولهما قسوة المجتمع فى الحكم على أبنائه من ذوى الاحتياجات الخاصة وكيف فرض المجتمع الفرنسي العزلة على أبنائه بسبب عاهة لا ذنب لهم فيها، والأمر الثاني أنك سرعان ما تنسى قبح "كوازيمودو"  وتعيش مع جمال روحه وعاطفته الجياشة، فترى روحاً شفافة رقيقة تسكن جسد معطوب . "كوازيمودو" الفتى الحنون الذي أخلص في حبه للفاتنة الراقصة الغجرية "إزميرالدا". فيقول "كوازيمودو" إلى حبيبته إزميرالدا": 

"كلما وقفت إلى جانبك لا أتمالك نفسي من الشعور بالشفقة على حالي... إنني أبدو أمامك مثل وحش غاية في البشاعة، لكنك بالنسبة شعاع من الشمس وقطرة من الندى، وتغريده من تغاريد الطيور."

هنا يطرح هوجو سؤالا... هل النفس البشرية تتشوه إذا سكنت جسداً مشوهاً؟


"إزميرالدا" التى نالت إعجاب " كلود فرولو" رئيس الشمامسة فعانت من رغبته فيها، تلك الرغبة التى كانت تتأرجح بين تملك وانتقام."إزميرالدا" التي عشقها القائد الوسيم فحاول خداعه باسم الحب. "إزميرالدا" هي الجميلة التى جعلتنا نرى خلف  قبح الأحدب جمالاً يفتقر إليه أعظم النبلاء وأكثرهم وسامة. هي من حركت بداخله كل ما هو جميل ونقى وراقى. هي من ربطته بالحياة فصار لها قيمة كي يعيشها ويحتمل سخافة الجهلاء  ممن عجزوا عن إدراك سماته وجماله النفسي الملائكي. "إزميرالدا" هى من حاول "كوازيمودو" التضحية بحياته كي ينقذها من الموت أكثر من مرة.

وهنا يصف المؤلف بطله "كوازيمودو" قائلاً: " وهو مع هذا التشويه كله يملك من الحيوية المرعبة والخفة والشجاعة شيئاً كثيراً. إنه استثناء غريب عن القاعدة الخالدة التي تفرض أن تكون القوة كالجمال نتاجاً للانسجام".

ولك أن ترى قمة التناقض حين تعلم أن قارع جرس الكاتدرائية هو شخص ليس فقط أحدب بل أنه أصم، ومع ذلك فقد عشقت  وأدمنت باريس صوت أجراسه ونغماتها حتى صارت أنشودة جميلة في أذان الجميع معروفه باسم أغنية "كوازيمودو". كوازيمودو" المسكين الذي طبقاً لترجمة اسمه باللاتيني تعنى شخص بنصف ملامح.

للرواية أكثر من مغزى على المستوى الاجتماعي والسياسي والسياحي. وهذا ما ننشده فى كتابات مؤلفينا العرب. فعلى المستوى السياسى تجد أن تصوير هذه الرواية للظلم الواقع على البطل  وعلى المهشمين دفع الشعب الفرنسي للقيام بالثورة الفرنسية والتي أرخها نفس الكاتب فكتور هوجو في روايته اللاحقة البؤساء. وعلى المستوى السياحي تجد أن هذه الكاتدرائية كانت قبل انتشار هذه الرواية مبنى قديم أيل للسقوط، لكن بعد انتشار الرواية اعتنت بها الحكومة الفرنسية وأصبحت مزاراً سياحياً. وعلى المستوى الاجتماعي فالرواية تشجب عزلة البطل ككيان منعدم. هوجو يرفض  وبشدة أن ينهش المجتمع في جسد هؤلاء المحرومين.

ولك عزيزى القارىء أن تقارن بين أوروبا بشعاراتها الزائفة وبين تعاليم الله ونصرة الضعفاء. يقول الله تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، وكما رغبّ الإسلام في دمج تلك الفئة في المجتمع مع الفئات جميعها ليتشاركوا مع بعضهم البعض، فإنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيّن في الأحاديث الشّريفة أنّ الإنسان في المجتمع إذا اضطر إلى أن يخالط بعض المرضى، فلا بأس في ذلك ولا خوفٌ منه، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجعل المرضى والضّعفاء قادةً عندما يخرجوا في ركبٍ، فكان أثر ذلك كبيراً على أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة؛ لأنّهم أعطوا ثقةً في أنفسهم، وتمّ دمجهم في المجتمع الذي سيخافون منه لو كانوا مبعدين عنه.

وختاماً يقول تشارلز ديكنز الكاتب الانجليزي المشهور:" ليس لك خياراً فيما أنت عليه، لم يكن لك خياراً في من ستكون عائلتك، كيف ستكون ملامحك وتدويره وجهك. ليس لك خياراً فى الصوت الذى سيسمعه الناس منك، ولا اللغة التي تتحدث بها من صغرك. يرتديك النهار كشمس ويتخلص منك الليل بإرغامك على النوم تعباً، وبعد كومة الفروض هذه أصبح لك وجهان وجه بأس يرسم له الصقيع عينان، ووجه أنيق تقابل به المارة الأتعس منك، والأوفر حظاً، ولكن لا شيء يظهر للعلن غير صورة إنسان مكتمل. لم تختر بداية الحكاية ولكن تختار نهايتها، ستتوقف عند منعطف لم تكن تتوقعه، لكن كنت مؤمناً أنك: لن تتكرر"



Share To: