دوامة البوح | بقلم خالد جهاد / كاتب صحافي فلسطيني أردني


دوامة البوح | بقلم خالد جهاد / كاتب صحافي فلسطيني أردني



دوامة البوح | بقلم خالد جهاد / كاتب صحافي فلسطيني أردني
اللوحة للفنانة اللبنانية د.هناء عبد الخالق



ما هذا؟.. أي ورطةٍ تلك التي أعيشها ؟ كيف أخبرهم أنني لم أعد (هو) دون أن يتهموني بالكذب؟ الإتهام لا يعنيني.. لكنني حقاً لم أكذب.. ولم أمت أيضًا.. لكنني لست على قيد (حياتهم).. مات (قلبي) وتركت جثته في صدري كي لا يسرقها أحد.. لم أقم مراسماً للعزاء.. كنت أنانياً وواقعياً.. فكيف يشاركني الحزن من لم يشاركني الأيام أو الحقيقة؟ أردت أن أنفرد بذاتي في حضرة الذكرى.. أردت بعض الصمت الذي لا أخشى أن يختلط بالدموع.. وأردت أن أعيش بشريتي دون أن أدعي ما لا أؤمن به..


أحببت.. آمنت بالحب ذات يوم.. كما آمنت بالإنسان.. لكنني لم أعد كذلك.. باتت الحروف غريبة.. باتت القصائد ترفاً لا أقوى على مجاراته فيما أرى الموت (يتناسل) من حولي.. أصبحت الأغنيات مجرد ضوضاءٍ أفر منها.. الغزل يشبه نشرات الأخبار.. لم أعد أفهم الشعر.. من أين تولد الكلمات وأين تعيش وإلى أي قلبٍ ترحل؟القصص متشابهة.. الجمل مكررة.. الوعود (معلبة).. النظرات والعبرات والآهات (مرسومة بدقة).. كمشهدٍ تمثيلي ٍ خالٍ من المشاعر..  وأحوال العشاق تذكرني ب(استجمام) الأغنياء في (منازل) الفقراء بحثاً عن (البساطة)..


أتصفح بحيادٍ وملل.. تفاصيل من (رحلوا) مني أو أرغموني على الرحيل.. لا أصدق أن كل ذلك حدث.. تتطاير الصور في مخيلتي كصفحات مجلةٍ قديمة.. تختزل الروح في شتاءٍ بعيد.. كانت البداية معه وقد تكون النهاية في أحضانه.. تمشي حكايتي اليوم في خط متوازٍ مع حكايات الشخص الذي ( كنته) من قبل.. دون أن يكون هناك احتمالٌ للقاء.. (أرمي) عليها سيلاً من نظراتي لكنني أستبقي عينيّ لما سيأتي من أيام..


أخلع ساعة يدي وأخلع معها ما ولى من زمن.. أتبرأ من نفسي.. من سكوتي.. من خطاياي.. أغتسل بالنار.. أخلع جسدي عضواً بعد آخر.. وألقيه من نافذة أحلامي التي أقودها بجنون.. أتخفف من العار الذي يكلل روحي.. غارقاً بين صورٍ لا تبارح مخيلتي.. لنساءٍ تصرخ حتى ينقطع صوتها وأطفالٍ تصارع الجوع والخوف والمرض.. بين رجالٍ تحترق في أتون الحرب وأشلاءٍ تتناثر فوق بضعة أرغفةٍ من الخبز.. الأرض تتقيأ دماً.. التهم الجياع جوازات سفرهم ثم حلقوا إلى ما وراء الغيوم.. شرب الأيتام من دموعهم.. زرعوا تحت خيمتهم يداً تربت على شعرهم.. كلما كشر الوحش عن أنيابه.. يعوي القلب الذي (استذئب) أمام بوابات الليل.. مر (باللحم) وأبى أن يأكله.. طأطأ رأسه حتى دفنه في الرمال.. فأخرجت النعام رؤوسها استكباراً..


الدوامة تتسع.. أنا في منتصفها.. أنا لست (هو).. أنا (كنت) هو.. (هؤلاء) لم يكونوا معي..وأين أنا من (هؤلاء) ؟.. من سيحكي (حكايتنا) جميعاً ؟.. من سيشق الضباب بسيفه؟ الحب على أعتاب الجحيم ضربٌ من الجنون.. أقلام الحمرة جريمة.. لا مكان سوى لإبتسامةٍ متهالكة.. تمر صدفةً بين ساكني القبور.. ولا يخبرني القلم سوى أنه.. لن يعيش غربته مرتين..


#خالد_جهاد




Share To: