احك يا شكيب "الغريب" | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


احك يا شكيب "الغريب" | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير
احك يا شكيب "الغريب" | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير



هو شاب نشأ في أسرة بسيطة ، أب عامل مياوم مستواه الدراسي لم يصل للمستوى الخامس " الشهادة " سابقا ، أم ربة بيت لم تطأ قدماها المدرسة " أمية " كما يقال ، و خمسة إخوة، 

لم يسعفه الحظ لمتابعة دراسته ، بل هو أصلا لم يكن مرغوبا فيه ، هو صغير إخوته ، "وقع الحمل خطأ " كما قال والداه ، عوض أن يكون مدللا ، عاش محروما و منبوذا و غريب الأطوار ، عاش منعزلا عن إخوته و عن جيرانه و عن تلاميذ المدرسة ، مكانه المفضل شاطئ قريب من مكان سكناه و غابة تبعد عن الشاطئ بكيلومترات ، يختلي فيهما مع نفسه، يتأمل ، يتحدث مع نفسه و يطيل الحديث معها بصوت منخفض و أخرى بصوت مرتفع و حركات يديه يتحركان حسب حدة صوته ، مرة تجده يحمل حجرا صغيرا أو كبيرا حسب مزاجه و يرمي بهما في البحر ، أو نحو أعلى شجرة ، و بما أنه انقطع عن متابعة دراسته بسبب إهمال والديه له و بسبب تهكم زملائه في الدراسة في كل وقت و حين ، فانقطع عن ذلك مجبرا ، و لكنه كان محبا للقراءة وحبه هذا جعله يرتاد محلا لبيع الكتب المستعملة يقتني بين الفينة و الأخرى كتابا ، مما جعل الكتبي "بائع الكتب" يتعاطف معه فتعاقد معه على أن  يمنحه كتابا يقرأه و عند الانتهاء منه يعيده و يمنحه كتابا آخر دون مقابل ، مما جعله قارئا  نهما ، و في فترة ما ، تعاطى لقراءة الكتب التي تتحدث عن مغامرات اللصوص و حيلهم ، و تصادف هذا مع وجود عصابة كانت ترتاد مقهى كان يجلس فيه كلما توفرت لديه نقود عند نهاية كل أسبوع ، و مما أثار انتباهه  هو حديثهم عن سرقاتهم، و الدافع لها ، و عن ضحاياهم ، و عن ثمن سرقاتهم بعد بيعها فيما ينفقونها ؟؟؟!!! 

فكان يستمتع بما يسمع من حكاياتهم و الروايات التي يقرأها ، فقرر أن يخوض تجربة لعلها تغير مجرى حياته ، و هي تتبع خطوات اللصوص و معرفة مقر سكنهم أو مقر اجتماعهم بعد كل سرقة ينفذونها ، قصد سلب جزء مما يسرقون ، و ذلك ما كان ، تعرف عن جميع تفاصيل تحركاتهم و متى يحصلون على المال ، و متى يكون مكان اجتماعهم سهل اقتحامه ، فنفذ أول عملية و كانت الغنيمة سمينة مبلغ كبير ، استطاع به تحقيق ما كان يحلم به من أحلام الصبى و الشباب ، 

أسرته لم  تكن مهتمة بكل تحركاته ، لكونه حسب اعتقادهم هو مولود لم يكن مرحب به ، بل هو سبب من أسباب بؤسهم ، و فجأة تنبهوا أنه لم يعد كما كان ، أصبح يهتم بلباسه و تسريحة شعره و تناسق أحذيته مع ما يلبس ، و أصبح يتوفر على مذياع شخصي ينصت لبرنامج ليلي يحكي قصص اللصوص ، فقرر الوالد تكليف أحد أبنائه بمراقبة تحركاته و مصدر ماله الذي ظهرت نعمته على شكله ، و ما يقوله الجيران حول شخصه ؟ 

و بما أنه كان يحتاط في كل شيء و هو المعروف  بإسم " الغريب " لم يكن يترك أثرا وراءه ، و لما تنبه و شعر ان جميع المحيطين به يراقبونه ، قرر مغادرة الحي و المدينة إلى وجهة لا يمكنهم معرفتها ، و هناك في قرية صغيرة و مهمشة اشترى قطعة أرضية و شيد عليها  منزلا و شيّد ايضا مسجدا صغيرا و روضا للأطفال ، و وخصص شقة من بيته لتتعلم فيها البنات الصغار و النساء حرفا تساعدهن على مشاق الحياة ،

و لم ينس  إحداث مكتبة صغيرة في مرأب بيته جعلها قبلة للقارئين ، 

و كتب رواية أطلق عليها إسم" الغريب "لسبب بسيط ، أنه عاش غريبا في موطن ولادته و غريبا في مكان هجرته ، الجميع كانوا ينادونه بالغريب فكان فرحا بإسمه ، كلما اتيحت له الفرصة يتوجه نحو  شاطئ البحر  أو نحو الغابة المجاورين لبيته حيث هاجر ،،و يرفع صوته عاليا أنا الغريب أن اللص العجيب ، و بعد سنين حققت روايته " الغريب " انتشارا كبيرا  داخل الوطن و خارجه و أصبحت فيلما مشهورا و كل هذا و بقي الكاتب غريبا و بعيدا عن عالم الإعلام و الصحافة ، حتى موته لم ينتبه إليه أحد فعند الصلاة عليه ، قالوا :،"صلاة رجل غريب "

ذ شكيب مصبير




Share To: