الإناء الموقر | بقلم الأديبة المغربية فوزية مسجيد


الإناء الموقر | بقلم الأديبة المغربية فوزية مسجيد
الإناء الموقر | بقلم الأديبة المغربية فوزية مسجيد



مهما استطاب لساننا من مذاقات باذخة...و استرسل بتذوق عجينة الفستق وحشوات اللوز والجوز ... وخلاصات الفانيلا و الشوكولا و فاكهة الكرز والعليق...يبقى لساننا يستطعم حلويات أمهاتنا بمشارف الأعياد و شهر رمضان و توزيعات الأعراس بأطباق من كارتون ومحبة... تلك الحلويات التي كانت تنجز ليلا ونهارا و ترسل مصففة كفيلق عسكر تامة البهاء إلى قلب فرن الحي أو فرن المنزل...مزينة بغيمات من جوز الهند أو حبات سمسم جليلة التحميص..متوجة بحبة فول سوداني أو عود قرنفل يتوسط الحلوى بكثير من التصوف و الوقار...يعلن أن البهاء ضيف البيوت الطيبة ...ومع أن أمهاتنا كن لا يعرفن قوالب الحلوى الدائرية والهلالية و المربعة كانت أمومتهن تصنع المعجزات فتحول الدقيق والسميد والسكر الصقيل بجرة مزج إلى مهرجان فرح ...رغم أقراص الحلوى غير المتساوية وانحراف ميلان هلال الحلويات و تباين أحجام مربعاتها..لكن كفوفهن الأمينة كانت تجعل حلوياتهن الأشهى...تلك الرائحة الآسرة التي كانت تصل رحم الجيرة وتصل لسابع جار...كانت تلزمنا حقوق الجوار أن نهمس له باقتسامه معنا ذلك الإنجاز اللذيذ وتذوقه بصحن مغطى  فيه من الحياء والستر و توخي الحيطة أن ينفذ عطره لأبعد فنصيب أنفا بعيدا عن السابع من الجيران دون أن نعلم فننكث واجب المراعاة....تصفف بعد الطهي  بالإناء المقدس الذي يحكم إغلاقه وكأنه رسالة مختومة هامة للغاية ...و يوضع بمكان آمن تغطيه الأمهات واهمات أنهن بلغن من الحيطة الأوفر...غير أن أماكنهن البسيطة كانت كلها مكشوفة...تنحصر بدولاب الملابس ضعيف الإغلاق المتواطىء مع أطماعنا الكبيرة اتجاه الإناء الموقر..أو تحت أسرتهن التي كان أسفلها يتسع لولوجنا بيسر لنجلبه باستعانة أنوفنا نافذة الشم بل حتى من شساعته كنا نوزع  الغنائم تحث السرير، ونعقد الصفقات و نتبادل المساومات و نتوعد ونهدد تحث السرير، و نؤدي يمين الكثمان  الذي نختزنه كورقة ضغط نشهره بوجه بعضنا باللاحق من المواقف ومطباتنا الطفولية الصغيرة ....نخرج ونحن نطرد رائحة الحلوى من وجوهنا المكشوفة وملابسنا فتشي بنا حبات جوز الهند و عطر حشوة المربى ...ننال عقابا نبيلا محشوا بالحنان مازال مذاقه عالقا بضمائرنا الحية... .



Share To: